دلالات تحرير الدولار الجمركي المصري

                             
بينما كان المستوردون المصريون يتطلعون لخفض قيمة الدولار الجمركي الذي يتم احتساب قيمة الرسوم الجمركية على أساسه، والذي ظل لعدة شهور عند 16 جنيها، فاجأتهم وزارة المالية برفع قيمة الدولار الجمركي بنسبة تزيد عن 12 % ليقترب كثيرا من 18 جنيها، وربطته مستقبلا بسعر الصرف السائد بالبنك المركزي. 
وكالعادة في التعتيم الرسمي ادعت وزارة المالية في البداية أن الأمر مقصور على ما تسميه السلع الترفيهية أو الاستفزازية، مثل الخمور وطعام القطط والكلاب والسيجار والكافيار والجمبري والإستاكوزا، لكن الصحف الاقتصادية نشرت جداول السلع التي يشملها تطبيق السعر الجديد، كشف عن أكثر من 400 سلعة لا تنطبق عليها صفة الترفيهية.
ومنها الملابس الجاهزة والسلع المعمرة من ثلاجات وديب فريزر وبوتاجازات وسخانات وشاشات تليفزيونية، ودفايات وسيارات الى جانب الأحذية ومعجون الأسنان ومزيل العرق، وأعواد الكبريت وأدوات المائدة والمطبخ كما تضمنت المكرونة والشعرية والعسل الأبيض، والفواكه والعصائر والمقرمشات حتى شملت حوالي 40 % من السلع المستوردة. 
وعاد مسؤولو المالية يقولون إن القرار ينطبق على السلع التي لها بديل محلى لحماية المصنعين المصريين، ليرد عليهم التجار بأن القرار شمل سلعا ليس بديل محلى كأجهزة الراديو والدراجات والمكاوي ومكبرات الصوت والكاميرات والمكسرات وغيرها. 

انخفاض ايرادات الموازنة عن المستهدف 

ليعود مسؤولو المالية لتبرير القرار بأنه يستهدف تقليل الواردات لتخفيف الضغط على سعر الصرف، وحماية رصيد الاحتياطيات من العملات الأجنبية بالبنك المركزي من الاستنزاف، وهو مبرر حقيقي في ظل العجز في أرصدة العملات الأجنبية لدى البنوك المصرية خلال الشهور الأخيرة، بعد استنزاف أرصدتها خلال خروج الأجانب من أوراق الدين المصرية في ظل أزمة الأسواق الناشئة. 
والعجز بالمتزايد بالميزان التجاري السلعي رغم الإجراءات المتعددة التي اتخذتها السلطات لتحجيم الواردات لكنها اتجهت للزيادة، والعجز الحقيقي في الميزان الكلى للمدفوعات والذي يتم تغطيته بالقروض الخارجية والادعاء بوجود فائض به.
وتمثل السبب الرئيسي للقرار في عدم استطاعة وزارة المالية تحقيق مستهدفاتها من الإيرادات خلال العام المالي الحالي، حيث تشير نتائج أول شهرين من العام المالي الحالي وهى آخر بيانات معلنة، الى انخفاض ما تم تحصيله من الإيرادات بنسبة 39 % عن الإيرادات المستهدفة، حيث كان مستهدفا تحقيق 165 مليار جنيه بينما ما تحقق بلغ أقل من 101 مليار جنيه. 
وشمل ذلك الانخفاض حصيلة الضرائب بأنواعها والتي قلت بنسبة 35 % عن المستهدف، وشمل الانخفاض حصيلة الضرائب على الدخول والإنتاج والضرائب على السلع والخدمات، وكذلك الضرائب الجمركية التي انخفضت بنسبة 30 % عن المستهدف لها، وزادت نسبة الانخفاض بالإيرادات غير الضريبية لتصل الى 55 %. 

 السعي لموارد إضافية لتعويض النقص 

ودفع ذلك الانخفاض في الحصيلة وزارة المالية المصرية الى خفض مصروفات الموازنة عما كان مقررا لها بنسبة 22 % خلال الشهرين، لكنه رغم ذلك فقد زاد العجز الكلى بالموازنة بنسبة 16 % عما كان مقدرا له، حيث كان مقدرا أن يبلغ 73 مليار جنيه في حين بلغ 84 مليار جنيه، وهو ما يهدد نسب العجز بالموازنة التي وعدت مصر صندوق النقد الدولي بالوصول إليها بالعام المالي الحالي. 
الأمر الذي دفع وزارة المالية لتعديل طريقة احتساب تحصيل ضريبة أرباح البنوك من أذون وسندات الخزانة، والذي يتيح زيادة إيراداتها بنحو عشر مليارات من الجنيهات على حساب أرباح البنوك، مما أربك البورصة المصرية ودفع أسهم عدد من البنوك للانخفاض.
 كما بدأت فرض رسوم لنظام التأمين الصحي الشامل رغم أنه سيبدأ في يوليو من العام القادم، كما زادت منذ شهور قيمة رسم التنمية على رخص قيادة السيارات، وعلى رخص تسيير السيارات وعلى فواتير التليفون المحمول ورسوم جوازات السفر وغيرها. 
لكن ما يشغل الأسوق المصرية هو الأثر السلبي لتحرير الدولار الجمركي والذي توقعوا أن يرفع أسعار السلع المعمرة بنسبة 20 %، وربما يقول قائل ولكن نسبة ارتفاع تكلفة الدولار الجمركي كان 12 % لكن واقع الأمور يشير لوجود مبرر للنسبة التي ذكرها التجار.
 فالسلع المعمرة تبلغ نسبة الجمارك عليها 60 %، كما تخضع لضريبة القيمة المضافة بنسبة 14 %، وضريبة الجدول التابعة للقيمة المضافة بنسبة 8 % أخرى، ولقد ذكر قانون القيمة المضافة في المادة العاشرة منه الى أن القيمة التي يتم احتساب ضريبة القيمة المضافة على أساسها بالنسبة للسلع المستوردة، هى القيمة التي يتم اتخاذها لربط الضريبة الجمركية مضافا إليها الضريبة الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المفروضة. 

  تأثير ثلاثي على السيارات المستوردة

فإذا كانت قيمة السلعة مائة دولار تعادل 1600 جنيه بالسعر الجمركي القديم، فقد أصبحت القيمة 1794 جنيه ونسبة الجمارك عليها 60 %، أي 1076 جنيه، فإن القيمة التي سيتم احتساب ضريبة القيمة المضافة عليها ستكون 2870 جنيه بدلا من 2560 جنيه، لتبلغ قيمة ضريبة القيمة المضافة 600 جنيه بدلا من 589 جنيه.
ويزداد الأمر صعوبة مع السيارات التي ستزيد قيمتها بنسبة 12 % نتيجة تحرير الدولار الجمركي، كما ستزيد قيمة الجمارك عليها وأيضا ستزيد قيمة ضريبة القيمة المضافة وضريبة الجدول عليها والتي يتم احتسابها على أساس قيمة السيارة مضافا إليها قيمة الجمارك عليها.
 ثم يتم اتخاذ قيمة السيارة مضافا إليها الجمارك عليها وضريبة القيمة المضافة وضريبة الجدول عليها، ثم يتم اتخاذ المبلغ الإجمالي لتلك المكونات الثلاثة كأساس لاحتساب نسبة رسم تنمية الموارد عليها، والتي تتراوح ما بين نسبة 3 % الى 5ر8 % حسب سعة محرك السيارة. 
حتى السلع التي ليس عليها جمارك مثل أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التليفون المحمول، وتم تعديل قيمة الدولار عليها ستزيد أسعارها، لأن القيمة التي سيتم احتساب ضريبة القيمة المضافة عليها بنسبة 14 % ستزيد.
ومن هنا فقد أحدث قرار تحرير الدولار الجمركي ارتباكا بالأسواق، في ظل عدم وجود آلية لضبط تلك الأسواق العشوائية غالبيتها، وعمق ذلك ركود السوق وزاد من متاعب المصريين مع الأسعار المتزايدة لكافة السلع الغذائية والمعمرة، كما انعكس الأمر على مناخ الاستثمار الذي يشهد العديد من القرارات الفجائية. 
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه