الولد.. سند !!

لاحظت أن العلاقة بين الأب والابن داخل بعض الأسر تكون مقطوعة تماماً حيث لا مجال للتواصل ولا الحوار ولا أي نوع من المودة، وكل هذا للأسف يكون على حساب الزوجة والأم.. يتبع.

داليا الياس*

أعرف أن مجتمعنا الشرقي عموماً بأنه مجتمع ذكوري، يحتفي بولادة الصبي ويمنحه كل الامتيازات منذ اليوم الأول، ورغم اجتهادات البنات وتفوقهن في العديد من المجالات يبقى العرف السائد هو تقديس قيمة الذكر ولا اعتراض.
فنحن أيضاً نؤكد على القيمة الكبيرة للرجل في حياتنا، ونعلم أن هناك رجالاً أفذاذاً يقومون بالمسؤولية كما يجب ويمنحون حياتنا كل أبعادها الإيجابية.
ولسنا بصدد الدخول في جدل حول فوائد الذكر ومضار الأنثى – إن وجدت- ولكن المؤسف أنه رغم هذا الاحتفاء العظيم بوجود (الولد) في الأسرة، فإن بعض الآباء يتحولون فجأة من النقيض إلى النقيض وتبدأ علاقتهم بأبنائهم في التحول إلى عداء مكبوت حالما شبّ (الولد) عن الطوق وبلغ مبلغ الرجال، وكل ذلك دون أسباب موضوعية، فالمثل الشائع يقول: (إن كبر ابنك خاويه) فلماذا يمعن بعض الآباء في القسوة على أولادهم وقفل جميع أبواب النقاش معهم وتجريمهم الدائم واتهامهم بالاستهتار واللامبالاة والفشل؟!
لقد لاحظت أن العلاقة بين الأب والابن داخل بعض الأسر تكون مقطوعة تماماً حيث لا مجال للتواصل ولا الحوار ولا أي نوع من المودة، وكل هذا للأسف يكون على حساب الزوجة والأم التي تحاول جاهدة توفيق الأوضاع بين الطرفين دون جدوى، وتظل في حالة من الشد والجذب بين الأب الثائر المتحامل الذي يتهمها غالباً بأنها السبب في إفساد وتدليل هذا الابن الفاشل العاق، وبين الابن المتذمر الذي يشعر دائماً بالظلم والقهر وأن هذا الوالد الرجعي ــ حسب زعمه ــ لا يفهم وجهة نظره المتحضرة.
فهل يرجع السبب في كل هذا إلى صراع الأجيال المعتاد واختلاف وجهات النظر بين جيلين؟ أم أنها أزمة ثقة؟ أم أنها غيرة خفية بين الطرفين لا سيما بعد أن يشعر الوالد الزوج الذي هو في الأساس طفل كبير بأن الزوجة الأم قد بدلت أولوياتها وبدأت الاعتناء والاهتمام بابنها أكثر من أي إنسان آخر؟!
وإذا استبعدنا كل ما تقدم فإن السبب الوحيد المنطقي المتبقي يتمثل في تأثير البيئة والعُرف السائد الذي يُشعر الأب لا شعورياً بأن الابن في حاجة إلى جرعة مكثفة من القسوة والشدة حتى يصبح رجلاً كما يجب، على اعتبار أن سياسة الصداقة لا تصلح لخلق رجلا.
والنتيجة تكون قيام حواجز ومتاريس بين الطرفين، وخلق مساحات من النفور والحنق، وقد يصل الأمر إلى انعدام الحب والاحترام، ويبدأ الابن في تجاهل والده وكراهيته والتمرد على أوامره وعصيانه الدائم لا لشيء إلا لأن طبيعته الإنسانية وسنه الحرجة ترفض الضيم وتثور للكرامة، ويبقى الحال كما هو عليه من سيئ إلى أسوأ، ويبدأ الابن في الهروب من المنزل تفادياً لثورة الوالد وهذا الهروب قد يقوده للتعرف على أصدقاء السوء ومعرفة طريق الانحراف ليتحول فعلياً إلى (ولد فاشل) لا فائدة تُرجى منه على الإطلاق.
فلماذا لا يبدأ هؤلاء الآباء في تغيير سياستهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
إن الولد ــ شئنا أم أبينا ــ سند، وهو امتداد لأبيه، يحمل اسمه، ويمشي على دربه، ويعينه على أيامه، ويخلفه في ماله وعرضه، وكيفما أنشأه سيكون عليه أن يحمي أخواته ويوفر لهن الحياة الكريمة، ويُعرف بين الأهل والأحباب بالأخلاق الكريمة والرجولة الحقة فيقال إنه (راجل من ضهر راجل) وأن والده (عِرِف يربي)
ويؤلمني أن ينبري والد ما ليسيء لابنه ويسمعه الألفاظ النابية والسباب (عَمَّال على بَطّال) ولأتفه الأسباب، بل إن البعض يذهب لأبعد من ذلك، وأعرف والداً يعمد إلى طرد ابنه اليافع من المنزل كلما عاد متأخراً إلى المنزل، ومتأخر هذه قد لا تتجاوز الحادية عشرة ليلاً. وأتساءل: إلى أين يذهب هذا الابن في تلك الساعة؟ بل إلى أين يظنه والده ذاهباً؟ وماذا نتوقع منه بعد ذلك؟ وكيف نطالبه بالالتزام واحترام ومحبة هذا الأب (الأحمق) الجائر؟
إن الأبوة حنان وحكمة ومُثُل أعلى. وأرجو أن يضع جميع الآباء ذلك في الحسبان، ويتذكرون أن من ضمن مهام أبوتهم الجليلة تهيئة الأبناء ليكونوا آباءً صالحين، وهذا لا يتم الا بالممارسة والمعايشة العملية، فأسلوب تعاملك مع ابنك هو اللبنة الأساسية في صرح رجولته وأبوته وقيمته كإنسان فاعل في مجتمعه الصغير الذي يبدأ ببيته.
فليت الود يتصل بين جميع الاباء والأبناء، وتمتد الجينات الوراثية بينهم لترسم مساراً لعلاقة صداقة نبيلة يحفها الاحترام ويسيطر عليها الصدق.
اجعل ابنك صديقك، واجعل أباك مرجعيتك ومستشارك، فكلما استقرت بينكما العلاقة كان البيت أكثر تماسكاً واستقرارا وتوازناً، وكان أفراد العائلة أكثر سعادة، ينعمون بالأمان والثقة، لاسيما النساء.

_________________

* كاتبة سودانية

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه