المال والحب

هناك حكمة شعبية نصها” إذا دخل الفقر من الباب؛ قفز الحب من الشباك “…

 ربما تعد تلك بداية صادمة لمقال حول الحب، وربما ذلك المثل يوجز الأمر بسطرين، ولا يحتاج الأمر لمقال، لكن دعونا هنا لا نصدم، دعونا نرى الأمر بروية، بحكمة الأباء الكبار، الذين لا تصدر أمثالهم الشعبية الخالدة إلا عبر سنين طويلة من التجربة والخبرة.

بما أن مقالاتنا بالعربية؛ وقراؤنا عرب، فربما جاز لنا أن نتناول الأمر من منطق عربي، حيث إن علاقة الحب بالمال في مجتمعات أخرى، قد تتخذ بعدا آخرا، ربما يتسع المجال لذكرها في مقال آخر.

دأب المجتمع العربي على إحاطة الحب، أو الارتباط، أو الزواج – على اعتبار أن الحب لا ينفصل عن الزواج في مجتمعاتنا العربية – بنفقات مالية مهولة، ونفقات مادية ربما لا يقدر على تحملها الجميع، نفقات تحمل مسميات شتى كالمهر والشبكة والشقة والأثاث ومصاريف إقامة الفرح. وربما من عجب، أن معظم تلك الأثقال لا أصل لها  في التاريخ، أي أنها في مجملها تقاليد اجتماعية بحتة، فالمهر على سبيل المثال، كان يمكن أن يقتصر على أن يمهر الرجل عروسه بخاتم بسيط، أو رداء جميل، أو حتى يمهرها بقلب تقي أو نقي، أو يمهرها قدر استطاعته، عن طيب خاطر، تقديرا لها و لخاطرها وقيمتها لديه، وليس قدر رغبة الأهل أو المجتمع

في المرات الأولى فقط

ورغم لومنا لمادية المجتمع تلك؛ نعود ونذكر أن المال و الحب بشكل ما متصلان، كالجنس والحب، نحن ربما نفرق بينهما، ولكنهما في حقيقة الأمر متصلان بشكل ما، ممتزجان بشكل أو آخر، كيف يتصل جانب روحي شفاف كالحب؛ بجانب مادي بحت كالمال؟ كما يمتزج الجسد بالروح تماما، كلاهما منفصل، وكلاهما متصل بعضه ببعض، حين نحب، سوف نلتقي، ولن تصبح كل لقاءاتنا عابرة، ربما في المرات الأولى فقط، ولكنها بعد ذلك سوف تكون في مطعم أو مقهى، ذلك يعني مالا، القليل منه على الأقل، حين نرتبط أكثر، سوف نلتقي بين أربعة جدران، ربما ليس فقط من أجل ممارسة الحب، ربما لنكون بمفردنا، لذلك أربعة جدران تعني بيتا، بيتا بسيطا وليس بالضرورة قصراً منيفاً، حين نقرر أن نعيش سويا، حبيبين او زوجين، سوف نواجه شئنا أم أبينا مسؤوليات مادية ما، كالإيجار والغذاء والملابس والدواء، وربما يكون كل ما ذكرته تحصيل حاصل، على اعتبار أن أغلبنا، إن لم يكن كلنا بالضرورة، يعمل ويكسب ويملك بيتا، إلا أن الشراكة الحياتية أو الشراكة الحقيقية، تشبه تماما شراكة الشركات متعددة الجنسيات، نحن سوف ننتقل من مرحلة الوحدة والتعود والاعتماد على النفس، إلى مرحلة أخرى من الشراكة والشريك واستحداث مطالب ومسؤوليات مستجدة لم تكن في المخطط ولا في الحسبان، لم تكن في جدول أعمالنا حين كنا مستقلين بمفردنا، هذا شأن وذلك شأن آخر مختلف تماما.

طاقة مهولة

على الجانب الآخر؛ بعيدا عن المادية البحتة، وتفسير الأمور بشكل منطقي مجرد، الحب، الحب الحقيقي، طاقه مهولة، معجزه بحد ذاته، قدرته على تذليل الصعاب غير مسبوقة، أربعة جدران إضافة إلى قليل من التفاهم كفيلين بجعلك أقوى رجل، وجعلك أقوى امرأة.

 حين نتبنى ذلك الفقه أو تلك العقيدة، عقيدة الحب، سوف ندرك بأنفسنا، أن الحب حقا يصنع المعجزات، وأن معجزته الحقيقية أن بإمكانه أن يجمعنا بمن نحب من دون أن يكون المال عائقا مانعا، المال ليس خط بارليف، ولو كان فقد تم تخطي خط بارليف، خط بارليف هو مانع نفسي، يربض في عقولنا وخبراتنا فقط، نتيجة إرث اجتماعي لم يكن لنا يد ولا مشاركة فيه، حياتنا وخياراتنا نحن من نحددها، رغبتنا في التواجد والتواصل مع شريك آخر مقرونة ومرتبطة بنا نحن فقط، وليس بالمال أو المجتمع أو الأهل، نحن من يفرح أو من سيفرح، نحن من سوف يقرر أو يجب أن يقرر كيف يفرح ومع من يفرح.

 في عصور أخرى؛ وعلى امتداد أزمنة طويلة، لم يكن هناك مال أصلا، لم يكن هناك شبكه ولا أثاث ولا فرح ، كان هناك رضاء وقبول، ورغبة حقيقية في الحب والشراكة والحياة، رغبه صنعت حيوات متتالية بمفردها، بقوة دفعها الذاتية، تلك الرغبة حديثا وقديما يطلق عليها الحب، عض عليها بالنواجذ – إن كانت حقيقية – وسوف تنقذك وتعبر بك إلى ضفة الأمان، ثق بها وسوف تنقذك، أو سوف تبادلك الثقة ولن تخذلك، المال على وفرته لم يستطع أن يشتري السعادة منذ صكت أول عملة، قد يشتري الراحة، ولكنه لم ولن يشتري الحب ولا السعادة.

 السعادة مفهوم مقترن بالتفاهم والرضا، وشريك متفاهم وراض، أفضل من عشرة شركاء أغنياء غير واعين ولا راضين

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه