الكتاتيب تنتصر

لعل من أبرز مشاهد الأفلام المصرية القديمة هو مشهد الكتاب – بضم الكاف وشد التاء – وذلك الرجل الضرير – الضرير – يطالب الأطفال الحاضرين بتكرار آيات قرآنية أو أبيات من الشعر، ويضرب من يخطئ منهم بعصاه الشهيرة، ولعلنا ضحكنا من المشهد برمته، وربما سخر أحدنا منه، وربما انتقدناه، المثير للسخرية الان، أن طلبة المدارس الحكومية والدولية، لا يجيدون التحدث بلغة الرجل الضرير، ربما يتقنون الإنجليزية، على اعتبار أنها لغة ثقافة العالم، وطوق نجاتهم من بلد بائس كبلدهم، هل تعرف طلبة غير الطلبة المصريين ممن لا يجيدون لغتهم الأم؟ هل حرص أحد أصلا على تلقينهم لغتهم الأم؟ هل حرص الأستاذ اللاهث وراء الدروس الخصوصية دون الأخذ بالاعتبار بتعليم القيمة؟ هل حرصت حتى وزارة التربية والتعليم على تدريس لغتها الأم لطلبتها؟ هل أدرك المواطنون والآباء والمعلمون والمشاهدون بعد نصف قرن أن الرجل الضرير وطلبته حملوا أمانة اللغة الأم في حين لم نكترث نحن بحملها؟

طلاب المدارس الأمريكية يتعلمون اللغة الإنجليزية؛ هل كنت تعرف ذلك؟ طلاب المدارس الإنجليزية يتعلمون اللغة الإنجليزية؛ هل كنت تعرف ذلك أيضا؟ تماما كما يفترض بوطن أن يحرص على تعليم أبنائه لغتهم الأم، ليس بالأمر دهشه أو استنكار، تلك الدول تدرك تماما قيمة العلم، تدرك تماما قيمة اللغة الأم وتحرص على تدريسها، خطأ فاحش يقترب من حجم الخطيئة أن تنتج آلة التعليم المصرية الجبارة الآلاف من الجهلة، الذين لا يمكنهم التفريق بين الألف واللام أو الألف وكوز الذرة.

المطرقة والسندان

المحير و المخجل الآن؛ أن الطلاب أصبحوا بين مطرقة التعليم الحكومي و سندان المدارس الدولية التي تغازل الآباء بعبارات خالية تماما من الحقيقة من قبيل: تدريس اللغة العربية والقرآن، حيت تتم الاستعانة بشاب أزهري أو معلم للغة العربية ومحفظ للقران وبرواتب متواضعة لا تغطي مصاريف مواصلاته، فلا يتحمس أو يتشجع لتعليم الطلاب، ولا يعني المدارس الدولية أن يتحمس أو يتشجع، يعنيها فقط أن تغازل “محافظ” الآباء وكروت ائتمانهم، ولتذهب اللغة العربية والطلاب الى الجحيم، شأنهم في ذلك شأن طلبة المدارس الحكومية، ممن أرهق عددهم المتزايد بالفصل حتى المدرسين الواعدين، فأصبح ليس بالإمكان تدريس اللغة بشكل صحيح لعدد أربعين تلميذا خلال اربعين دقيقه. دوامة لا تنتهي من الاخطاء بل الخطايا، تدور رحاها كل عام، كل يوم، ثقب أسود من الجشع والإهمال يبتلع الطلاب ويقتل هويتهم.

الزمن الجميل رحل ورحل معه كل شيء جميل ارتبط به؛ للدرجة التي تجعل من صورة “الكتاب” الهزلية أكثر جدية من مدارس اللغات الدولية، وربما من مدارس الحكومة الوطنية أيضا، الكل بالهم سواء، الدولي والوطني، وكأن مشروع التعليم مشروع خيالي، لا قيمة له للأجيال القادمة أو الحالية، وربما عبارة السيد رئيس الجمهورية الأقسى بين عباراته، نبراس لرجال التعليم الشرفاء برحلتهم المقدسة نحو الجهل

” ينفع التعليم في إيه مع وطن ضايع.؟”.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه