الرصاص الذي يقتل الحقائق ويخفى المستور!

المؤكد أن روايات النظام صارت مجالا للسخرية وخاصة بعد تجارب مريرة في البحث عن الجناة في حوادث كثيرة؛ فلن تجدهم في الماضي وحتى نهايات عهد مبارك.

 

“ارتدى ملابسه بثقة كبيرة ووقف أمام مرآته يتفحص وجهه وملامحه وعدّل من شعره ووضع “برفانه” المفضل وأغلق ورائه باب الشقة وهبط، فقد أخذ أوامره بالاتجاه إلى معهد الأورام السرطانية في قلب القاهرة ليفجر نفسه في أطفال المعهد المرضى والمارين أمامه”، تلك هي رواية النظام وداخليته عن حادثة معهد الأورام التي راح ضحيتها أكثر من ٦٠ مصريا، ويريد النظام للمصريين أن يصدقوها.    

المحرقة التي أصبحت أقرب طرق الوفاة

صارت الحرائق أو إن شئت الدقة الانفجارات المُحرقة عادة للمصريين قبل الأعياد!

فكلنا نذكر محرقه قطار العياط الذى احترق قبيل عيد أضحى في عصر مبارك، تلته محرقه قصر ثقافة بني سويف؛ أما الذاكرة القريبة فما زالت تذكر محرقة شهدتها محطة السكة الحديد الرئيسية في مصر وتلك المشاهد التي أرقت المصريين، وأدمت حياتهم ..
هكذا صرنا نتوجس خيفة كلما اقترب أحد أعيادنا؛ فلا يدري أي مصري: ماذا سيلحق به إذا اقترب ..
ونتذكر جميعا تفجير كنيسه القديسين بالإسكندرية في ليلة احتفال المسيحيين بعيد الميلاد، ولو رجعت بالذاكرة سترى أن المفجر (مجهول حتى الآن) دخل إلى منطقة مؤمنة تماما حيث الاحتفال بالكنيسة الرئيسية في الإسكندرية، وحيث مصر كلها تحتفل براس السنة الميلادية، وحيث الكمائن في أول الشارع ونهايته تأمينا للمحتفلين!

ومثله منذ ثلاثة أعوام تفجير الكاتدرائية في العباسية، وكل مرة يصر النظام وداخليته على أن نصدق أن من يقومون بهذه العمليات ضد مدنيين أبرياء، وبهذا القدر من التخطيط، مخترقين أي تأمين إرهابيون!

أين الجناة ومن يقتل المصريين؟!

عندما تبحث عن الجناة والمسؤولين عن أي حادث منذ سنوات فلن تجد إجابة عن أي سؤال ممكن أن تسأله، والمؤكد أن روايات النظام صارت مجالا للسخرية وخاصة بعد تجارب مريرة في البحث عن الجناة خلال حوادث كثيرة؛ فلن تجدهم في الماضي وحتى نهايات عهد مبارك إذ كانت الداخلية تتجه إلى تسمية جناة وتحاول أن تبحث عنهم وتقديمهم المحكمة أيا ما كان هذا الاتهام صحيحا أو غير صحيح، وكانت المحاكم تجد نفسها أمام أدله واهية، فيكون الحكم أحيانا مخففا ..
أما الآن ومنذ بداية السنوات العجاف المصرية مع عهد الجنرال الحاكم بأمره فنحن لا نرى سوى مجهول أو اتهامات باطلة، وأحكام ظالمة نكتشف بعد تنفيذها أن الحكم ظالم وسياسي ..

ولك أن تعدد في ذلك عشرات الحوادث والتي سببت أحيانا كوارث سياسية على المصريين؛ فهل ندري من فجر الطائرة الروسية؟! هل هناك متهمون؟! من فجر سيارة المكسيكيين في الصحراء الغربية؟! هل وجدنا إجابة حتى الآن عن الذين قتلوا النائب العام في قلب القاهرة؟!

 وفي هذه الواقعة تأتي مأساتنا في تسع شباب في عمر الزهور اًعدموا (نحسبهم عند الله شهداء)، ثم يعلن النظام بعد القبض على هشام العشماوي أنه المنفذ لحادث النائب العام!!!

هل لنا أن نسأل ماذا تم مع هشام عشماوي، فهل أُعدم؟ أم ماذا؟! هل لنا أن نسأل من فجر القنصلية الإيطالية في قلب القاهرة؟! ومن قتل الباحث الإيطالي ريجينى؟!

الحقيقة أننا لا نعرف أي إجابة عما فات سوى السؤال الأخير الخاص بريجيني ..
فهل كانت الإجابة أن الجناة هم الخمسة الذين قتلتهم الشرطة في سيارة ميكروباص في أحد ضواحي القاهرة زاعمين أنهم الجناة بعد أن ضبطوا معهم متعلقات لريجيني؟

لا لم يكونوا هؤلاء بحسب ما أعلنت الداخلية نفسها لاحقا، فبأي ذنب قتلوا ؟

 الحقيقة أن إيطاليا لم تنطل عليها ادعاءات النظام المصري وخاصة بعد صرخة “أم ريجينى” المكلومة (قتلوه كما لو كان مصريا!) ..
لم تصمت إيطاليا ولا نظامها على صرخة الأم، ولا على دماء شاب من شبابها؛ فالنظام هناك يدرك أن نهايته قد تأتي مع دماء شاب واحد، وصرخة أم واحدة .

من يسمع صرخات أمهات المصريين؟!

فمن يسمع إذن صرخات كل أمهات المصريين على فلذات أكبادهن الذين يُقتلون بدم بارد ويُعدمون بدم بارد ويُسجنون بدم بارد؟!

من يسمع أنات الأبناء الذين يُذبح آباؤهم بدم بارد، ويُسجن آباؤهم بدم بارد ويموت أحباؤهم في السجون المصرية بدم بارد؟!

من يسمع أنات الزوجات والأصدقاء والأخوات على الآلاف من المصريين الذين يُقتلون ويحرقون في شوارع مصر وسجونها بدم بارد؟

هل تحلم بنظام في مصر مثل نظام إيطاليا حريص على صرخة أمهات ودماء شباب، ويبحث عن القتلة حتى يحقق العدالة؟

رصاصه طائشة تخفى الحقيقة!

في الأفلام المصرية القديمة يجتهد الجاني عادة في التخلص من الشاهد أو الشهود في القضايا كي ينجو من جريمته، وفي غالب الأحيان يكون هذا المتهم صاحب نفوذ تنفيذي أو مالي كبير!

أما النظام المصري فقد طور هذه النظرية وخاصه أنه أيضا صاحب قرار الاتهام عن طريق داخليته، فأصبح يحدد الجمل المناسبة بدقة شديدة عن الجناة بعد الجريمة، وأماكنهم، وكيف تجمعوا؟ وأين قاموا؟ ومن أين جاؤوا؟ وماذا أكلوا وشربوا؟ وكيف تحركوا حتى وصلوا إلى مكان الجريمة؟

وغالبا يتم كل هذا بعد تنفيذ العمليات، ولا مجال هنا للأسئلة من نوعية: لماذا لم يتم القبض عليهم قبل التنفيذ؟ أو غير ذلك من أسئلة؟

فقد حسم النظام الاتهام، وقرر محاكمتهم وأصدر الحكم ونفذه بعد ساعات قليلة من العملية الناجحة ١٠٠٪، ولم ينج من الحكم الذي أصدرته داخلية السيسي شخصا واحدا يستطيع أن يدل المصريين عن باقي أفراد العصابة أو التنظيم الذي يدير كل العمليات بنجاح شديد!

فعلى الرصاصات المقصودة أن تقتل الحقيقة، وعلى المصريين أن يتوقفوا عن طرح الأسئلة حول الجناة؛ فقد تم تنفيذ الحكم فيهم بلا محاكمات ولا وجع قلب!

فالحكومة والنظام لديهما مشاغل أكثر في الساحل الشمالي أو مدينة العلمين حيث هناك حفل جينفر لوبيز الراقصة على أشلاء ودماء الشهداء، وبحضور وزيرات مصر بالزي الأبيض بمن فيهم وزيرة الصحة، ووزيرة التضامن الاجتماعي، وهكذا ينتظر المصريون حادثا آخر، وتنتظر كل من الحكومة والنظام في مصر احتفاليه في مدنهم على أشلائنا!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه