استشهاد د. عصام العريان في ذكرى رابعة … النداء الأخير

 

نزل خبر استشهاد المناضل السياسي الفذ د عصام العريان في الذكرى السابعة لمذبحة رابعة العدوية كالصاعقة على الجماعة الوطنية المصرية رغم أنه كان متوقعاً فجميعنا يدرك الظروف بالغة القسوة التي يحياها المعتقلون من منع الدواء والطعام والأغطية والملابس والزيارات والتريض والإغلاق الكامل عليهم، بخلاف حملات التكدير والتجريد المستمرة وغيرها من صنوف التنكيل التي يتعرضون لها ليل نهار، لكن الخيال السياسي لم يجنح بنا إلى تساقطهم في محبسهم الواحد تلو الآخر بهذه الصورة العنيفة.. سيما المرضى وكبار السن منهم.

و كأن ذكرى رابعة وحدها لم تكن كافية لتعريتنا وجلدنا وإلقاء اللائمة علينا بالمسؤولية عن غياب القصاص طوال سبع سنوات لهذه الأرواح الطاهرة التي ضحت بأسمى ما تملك فداءً لحرية الوطن، فيأتي نبأ استشهاد د. عصام ليزيد أوزارنا ويستصرخنا عما بذلناه لإطلاق سراح هؤلاء أو في أقل تقدير تحسين شروط سجنهم.

فالرسالة التي قرأتها في استشهاد العريان أدق في معناها وأعمق في مغزاها من مجرد تراجع القضية المصرية لتخاذلنا عن العمل لنصرتها، فسقوط العريان في محبسه وموراته الثرى بالملابسات التي رأيناها جميعاً في تكرار لسيناريو ما حدث مع الرئيس المنتخب د. مرسي بعد أكثر من عام يؤكد على أن الجماعة الوطنية المصرية بكل أطيافها فقدت قدرتها تماماً على الفعل، وبات أداؤها مقتصراً على إقامة سرادقات العزاء في الفضائيات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي بعد كل ملمة تنزل بها، ولم يعد بمكنتها أكثر من ذلك..

الشكوى للقاضي:

سيظل مشهد د عصام وهو يشكو لقاضيه ويلات ما يعانيه عشرات الآلاف خلف الأسوار وهو منهم ينغص على كل حرٍ حياته، حيث ظل رحمه الله ومن هم على حالته يعانون في مواجهة هذا القتل البطيء لسنوات إلى أن قضى نحبه، وما زال غيره بعشرات الآلاف يعانون مما عانى منه وزيادة ينتظرون آجالهم، فماذا قدمنا لهم؟

وماذا فعلنا جميعاً وأخبار الموت تتوالى من السجون على مسامعنا فلا تحرك فينا ساكناً سوى البكاء والنحيب وإقامة سرادقات العزاء وانتظار الضحية التالية…

هنا لا أقصد أبداً اجترار أحداث السنوات السبع العجاف التي أعقبت الانقلاب العسكري وما حدث فيها وإلقاء اللائمة على أحد فجميعنا مسؤولون – أفراداً ومؤسسات – ولا استثني أحداً عما آل إليه حال الجماعة الوطنية المصرية مع اختلاف الأوزان النسبية قطعاً لحجم مسؤولية البعض دون الآخر..

لكن الأولى من التلاوم والتنصل من المسؤولية – وكلنا مسؤولون – أن نبدأ فوراً في تدوير العجلة من جديد فالجماعة الوطنية المصرية لم تمت وإن اعتراها الوهن وغلبها الضعف، فما زال بمكنتها أن تنهض من جديد، وما زلنا نمتلك مقومات الفعل السياسي، والفرص أمامنا سانحة فنحن نواجه نظاماً بائساً ضعيفاً يجيد بناء عوامل هدمه ويحرق نفسه بنفسه.

إلى كلمة سواء:

فتعالوا إلى كلمة سواء لنعمل معاً ونتعلم معاً كيف ندير اختلافاتنا وقبلها كيف نناضل لخدمة الوطن فننكر ذواتنا سواءٌ الشخصية أو الحزبية أو التنظيمية ونعلي المصلحة العامة دون سواها فنلتقي على هدف واحد هو استعادة الدولة المصرية العريقة ونعمل معاً تحت مظلة واحدة هي إنقاذ مصر..

تعالوا نبدأ بأي آلية ترونها فنجتمع جميعاً من غير إقصاء ودون شروطٍ مسبقة نبني جسور الثقة بيننا، فنبدأ بالمشترك – وهو كبير – فنعظمه ونعمل على زيادته، ونضاعف مساحة التوافق التي تجمعنا، ونرجئ خلافنا لمرحلة قادمة، فالوطن يحترق ومن غير المعقول ولا المقبول أن نضع العصاة في العجلة فنختلف قبل أن نبدأ ونتفرق قبل أن نجتمع..

إن العمل السياسي في الساحة المصرية لم يعد مغنماً بل باتت عواقبه وخيمة على كل من يخوض غماره، فمواجهة هذا النظام القمعي الباطش لم يسلم منها أحد منا في شخصه وماله وأهله، لكن هذه المواجهة أصبحت فريضة واجبة على كل وطني حر لا تقبل الإرجاء ولا تحتمل التأخير لإنقاذ ما تبقى من حطام الدولة المصرية، والحفاظ على من تبقى من مناضليها ودعاة الحرية والعدل فيها.

فهل يكون نبأ استشهاد العريان بعثاً جديداً للحراك الوطني المصري، والشعلة التي توقد جذوة النضال لدى المعارضة المصرية بكل أطيافها لاستعادة الدولة المصرية من مغتصبيها…

أم يكون بمثابة رصاصة الرحمة التي تطلق على النخبة المصرية الحالية لتتوارى غير مأسوفٍ عليها إلى ساحة النسيان… إيذاناً بميلاد نخبة جديدة خلال سنواتٍ قادمة تحمل راية تحرير الوطن وتنجح فيما فشلنا فيه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه