حكايات فلسطينيات سطَّرن الفاجعة في دفتر النكبة

صور من النكبة والتهجير (الجزيرة)

“أيها المارون بين الكلمات العابرة.. احملوا أسماءكم، وانصرفوا.. واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة”.. نستحضر تلك الكلمات للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، في ذكرى نكبة فلسطين، حيث تفيض الذاكرة بأوجاع الماضي الممتزجة بذكريات شتى تحلم جميعها بالعودة إلى أرض الوطن.

“حين سمعَت أصوات الانفجارات تهز أرجاء المكان ترجلت مسرعةً نحو منزلها لتجد زوجها وأبناءها يسبحون في بركة دماء، وصوت رضيعيها يعلو، فاحتضنتهما بلهف وحملتهما وغادرت مذعورة متجهة إلى منزل أهلها لتجد المشهد ذاته، والديها وأشقاؤها مدرجون في دمائهم”.

لم تجد المرأة المكلومة أمامها سوى حمار عليه “خُرج” لتضع فيه رضيعيها، وتسير مشياً على قدميها، حتى وصلت منطقة الكوربة شرق الشجاعية وقد حل الظلام الدامس وسقطت في نعاس عميق من شدة التعب، وحين استفاقت على أشعة الشمس صُعقت بضياع الحمار ومعه رضيعيها.

وبعد 15 عاماً من السعي هنا وهناك توصلت المرأة إلى طفليها لتجدهما في مدرسة يهودية للأيتام، ليتبين أن الطفلين وهما (فتاة وشاب) قد تزوجا أحدهما في غزة والأخر في أبو ظبي.

هذه ليست قصة من وحي الخيال بل هي قصة حقيقية –بحسب وكالة فلسطين اليوم- وقعت أثناء الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 لفلسطين، والذي استخدم خلالها جميع أنواع الأسلحة والأساليب المحرمة دولياً بهدف تهجير العائلات الفلسطينية من أراضيها، وأُطلق على تلك السنة بالنكبة الفلسطينية والتي يُصادف ذكراه الـ68 غداً الأحد 15من مايو/أيار.

من صور النكبة (الجزيرة)

قصة حكت تفاصيلها الحاجة “أم عبدالله الزق” (85 عاماً) والتي كانت تبلغ من العمر 19 عاماً وقت وقوع النكبة، حيث مكثت المرأة -بطلة القصة- في منزلهم لفترة من الزمن، كما روت قصة شاب خرجت أمعاؤه من جسده بعد إصابته بشظايا الصواريخ لكن تم إنقاذه وبعد تتبع مسيرة حياته تزوج وأنجب الأطفال.

ومن القصص المأساوية التي روتها “أم عبدالله” أن عصابات الاحتلال الإسرائيلي كانت تقتل “راجل البيت” وتضعه على سيارة وتسير به في الأزقة والحارات ما دفع الناس للفرار خشية على أرواحهم، كما حكت قصة “عشورا” تلك السيدة التي هُجرت من بيتها الواسع بالمجدل.

أما الحاجة سهام السمري (80 عاماً) فعندما اعتدت العصابات الصهيونية على بلدتها القريبة من عكا خرجت وعائلتها إلى السهل القريب، كان صوت الرصاص في كل مكان، وبعد ساعات على خروجهم من القرية استشهدت والدتها ودفنت هناك.

كانت سهام ابنة 12 عامًا عندما حلت النكبة، لم تستوعب طفولتها خبر استشهاد والدتها برصاص الصهاينة عندما ذهبت تجلب لأسرتها الطعام وهم يحتمون بالسهل، ولظروف القتال دفنها أهل القرية في ساحة المسجد الذي احتموا به، وبالكاد استطاعت الهرب مع والدها وشقيقها.

وتستذكر سهام كيف كانت ترافق والدتها إلى مدينة عكا مشيا على الأقدام، يشترون كل حاجاتهم من المدينة ويعودوا إلى القرية محملين بكل حاجات البيت، وكبرت سهام وتزوجت في مخيم “بيت عين الماء” من شاب كانت عائلته خرجت معهم حتى وصلت إلى نابلس، وفي المخيم عاشت كل حياتها ورُزقت بعشرة أبناء.

صور من نكبة فلسطين (الجزيرة)

أما العجوز الثمانينية حليمة سناقرة “أم أحمد” من مخيم بلاطة فما زالت تكرر حكاية اللجوء لاستذكار ما حل بها وبأسرتها من ويلات ونكبات منذ العام 1948، تلك العجوز التي فقدت زوجها قبل أن يتحقق الحلم وودعت حفيدين شهيدين في انتفاضة الأقصى، بحسب المركز الفلسطيني للإعلام.

وتؤكد السيدة المسنة “سنبقى نقول لأولادنا وأحفادنا تلك بلدكم الأصلية، وستعودون إليها يوما ما، ولا نخشى من قول ذلك أمام عدسات المصورين ولا جنود الاحتلال”.

أما الحاجة أم أيمن (85 عامًا) المهاجرة من بلدة المويلح قرب يافا، فتفخر بأن أغانيها للصغار تقتصر على اللجوء وحلم العودة، ودوماً تحدث أحفادها عن ذكريات الأرض وتطلعهم على مفتاح البيت القديم وأوراق الملكية التي ما تزال محفوظة لديها.

أما الحاجة مريم سرحان (أم العبد) فتحدثت عن معاناتها وعائلتها خلال النكبة، حيث هاجرت برفقة زوجها وطفلها الذي كان يبلغ آنذاك عاما واحدا فقط، وكانت خلالها حاملا في شهرها التاسع، حيث أنجبت ابنها خلال هجرتها في ظروف صعبة وقاسية، ولم تكن والدتها بجوارها؛ فعائلة زوجها هاجروا في جهة، وأهلها هاجروا في جهة أخرى، وانقطع التواصل بين الجميع.

وفي كل من الداخل والشتات، يحيي الفلسطينيون يوم 15 مايو من كل عام ذكرى النكبة بمسيرات احتجاجية وإقامة معارض تراثية تؤكد على حق العودة، وعلى ارتباطهم بأرضهم التي استولت عليها العصابات الصهيونية المسلحة عام 1948، وأقامت عليها ما بات يعرف بإسرائيل.

ويحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة هذا العام تحت شعار “يوم استقلالهم.. يوم نكبتنا” من خلال فعاليات تشمل فلسطينيي الداخل والصفة الغربية وغزة والشتات، فيما يحتفل الاحتلال الإسرائيلي بما أسموه عيد الاستقلال.