رسومات أطفال غزة.. كيف غيّرت الحرب أمانيهم؟ (فيديو)

في غزة التي تعاني حرب إبادة منذ 7 أشهر، تبدو الأشياء لا تُشبه فطرتها الأولى، فهؤلاء أطفالها الذين يُشكلون نصف السكان، مَن نجا منهم من الموت، تلاحقه مشاعر الخوف، حتى شابت قلوبهم وأصبحوا عاجزين حتى عن ممارسة أبسط حقوقهم.

في جلسة لتقديم الدعم النفسي وتخفيف آلام الحرب النفسية على الأطفال، رافقت الجزيرة مباشر مجموعة من النازحين -تتراوح أعمارهم بين 8 و15- في مدرسة “شهداء رفح” بمدينة رفح جنوبي غزة، واطلّعت على رسوماتهم التي عبّروا فيها عما يجول في دواخلهم.

بداية أجهش الطفل محمد السحار (12 عاما) بالبكاء وهو يكتب بيده المرتعشة على الجانب الآخر من اللوحة: “نفسي أشوف أبوي واطمن عليه لأنه أسير”، معبرًا عن آماله أن يعود ثانية ليمسك الورقة والألوان حين تنتهي الحرب ليرسم فيها ووالده حرّ، ويبنى بيتًا جديدًا عوضًا عن الذي دمّره الاحتلال، تجتمع فيه كل عائلته وتعود الضحكة إليهم من جديد.

لوحة محمد التي تجسد واقعة اعتقال والده كانت تقطر ألما فقد رسم جبلين يختبئ خلفهما رجلان بأسلحتهما، وأمامهما رجل ثالث يتقدم نحوهما؛ ليفسر ذلك قائلا: “هذان الجنديان الإسرائيليان، وهذا أبي الذي اعتقلوه عند الحاجز ونحن قادمون إلى الجنوب”.

الطفل محمد الذي كان من أوائل مدرسته، أنسته الحرب شكل الحروف العربية وطريقة رسمها.

 

شهيد تحت الركام

أما الطفلة فاطمة أبو عودة (14 عامًا) فقد اختارت أن ترسم في اللوحة التي شاركت بها في الجلسة، جسدًا تنهال عليه الحجارة والركام من كل جانب، وعنونتها بـ”شهيد تحت الركام”، وقالت: “أول من فكرت فيه حين أمسكت بالورقة والألوان، خوالي الذي حُرمنا من وداعهم لأنهم لا يزالون تحت الأنقاض منذ شهور”.

وتبدو وهي تذكر أمنياتها وكأنها عجوز في عمر الستين: “الله يهدي بالنا، ونرجع على بيوتنا، ونقدر نوّدع أحبابنا وندفنهم”.

نرجع على بيتنا

لمار جابر -وهي ابنة 12 ربيعا- تُدهشك بحديثها، حيث عبّرت عما بداخلها بمشهدٍ لا تنساه: “منزلنا ينهار، الدبابات تُحاصرنا، والطائرات تقصف، وأشلاء الشهداء متناثرة على الأرض والناس تمشي من فوقها، وقلوبنا ترتجف (…) زعلت كثير كيف وصلنا لهيك؟”.

وتُفسر سبب اختيارها لهذه الرسمة بالقول: “الحمد لله، لكن حالنا كله صار موت ودمار وأصوات انفجارات وخوف من القذائف العشوائية، ما عندي أمنيات إلا إنو تخلص الحرب ونرجع على بيتنا”.

وأظهرت لوحة الطفلة نغم المصري مدى وعي الأطفال الفلسطينيين بقضيتهم وتمسكهم بالحقوق الوطنية رغم كل ما حلّ بهم من ويلات، ففي اللوحة حضرت طائرة إسرائيلية ضخمة ترمي صواريخها على الآمنين في منازلهم، وكتبت على حوافها “القدس لنا”، “غزاوية وأفتخر”، “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

مليون طفل بحاجة إلى دعم نفسي

وعلى ضوء ذلك، تؤكد رنين النجار المختصة النفسية المشرفة على الجلسة التي أقامتها مؤسسة “تامر” للتعليم الحر، أنّ الأطفال جمعهم قاسم مشترك وهو البيت مصدر الأمان لهم، فنجدهم يرسمون بيوتهم وهي مقصوفة، وهم خارجون منها، وهم محاصرون داخلها، أو يحلمون بالعودة إليها.

وتوضح أن صدمة ما رأوه في الحرب انعكست سلبًا على شخصياتهم، وحتى على أمانيهم، فلا تكاد تُصادف طفلًا لا يزال يحلم بأن يصير طبيبًا أو مهندسًا مثلًا، غالبيتهم يحلمون بأشياء بسيطة هي في الأساس حقوقهم “كالعودة إلى بيوتهم، والعيش بأمان وحرية”.

وتظهر الآثار السلبية النفسية عليهم من خلال أمور عدة، منها الهلع الليلي والهلوسات، والتبول اللاإرادي، وانخفاض الوزن واضطرابات في النمو، والاكتئاب، والخوف من الظلام ومن الأصوات العالية.

وتُشدد على أنّ واقع الأطفال في غزة يستدعي تدخلًا فوريًّا من المؤسسات ذات الصلة، لتكثيف خدماتها في مجالات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي لهم، خاصة أن كثيرا منهم أصبحوا بلا عوائل.

جلسة التفريع النفسي التي امتدت نحو ساعة ونصف، عكست جانبًا من الأوضاع النفسية الصعبة التي يعاني منها الأطفال نتيجة الحروب المتتالية على غزة، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، إلى اعتقاد أنّ جميع الأطفال تقريبًا (وهم أكثر من مليون طفل) في القطاع بحاجة إلى دعم في مجال الصحة النفسية.

المصدر : الجزيرة مباشر