تحوّل جذري للإبداع البشري.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي بالقضاء على الأفراد ووأد الفنون؟

اقترحت المفوضية الأوربية قبل عامين مجموعة قواعد، في إطار ما يعرف بقانون الذكاء الاصطناعي (رويترز)

ثار جدل في الآونة الأخيرة بشأن ما إذا كان من الممكن أن يقضي الذكاء الاصطناعي على الأفراد. وبينما يعتقد بعض الأكاديميين أنه على الأقل يجب أن لا يتسبب في قتل الفن أو الكتابة أو الموسيقى، فإنهم يرون أنه قد يتسبب في إحداث “تحول جذري” في الإبداع البشري.

وقال أكاديميان أمريكيان يكتبان في مجلة (ساينس)، إن أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على تقديم “وسائط فنية عالية الجودة للفنون المرئية، وفن المفهوم، والموسيقى والأدب، إضافة إلى الفيديو والرسوم المتحركة”.

ومع ذلك، فإنه من غير المحتمل أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي بي تي” و”ميدجورني”، التي يتم استخدامها بالفعل لكتابة مقاطع من الروايات وعمل صور واقعية، “نذيرًا بزوال الفن”.

ويقول زيف إبستين، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وآرون هيرتزمان من جامعة واشنطن، إن الكتب والرسوم والأغنيات التي تم إنشاؤها بواسطة بوتات الإنترنت (وهي برامج تؤدي مهام تلقائية على الإنترنت) لن تعني نهاية الفن، ولكنها ستكون “وسيطًا جديدًا له إمكانياته الخاصة”.

وعلى الرغم من أنه من الممكن أن يبدو الفن الذي يتم تعلمه آليًّا، وكأنه تناقض لفظي، فقد ينتهي به الأمر “بتمكين نماذج جديدة من العمل الإبداعي وإعادة تشكيل النظام البيئي للوسائط”، بحسب ما يعتقده الباحثان.

وقال الباحثان “إن القدرات التوليدية لهذه الأدوات ستقوم بشكل أساسي بتحويل العمليات الإبداعية، من حيث: كيف يصوغ المبدعون الأفكار ثم يدخلونها في حيز الإنتاج”.

وفي المقابل، من شأن هذا “التحول في الإبداع” أن يؤدي إلى “تعطيل العديد من قطاعات المجتمع” وسيؤدي إلى تسريح الأفراد من أعمالهم، وربما يتركهم بدون عمل، بحسب ما توقعه الكثير من المحللين المعنيين.

وأوضح الباحثان أنه “كمجموعة من الأدوات التي يستخدمها المبدعون من البشر، يتم وضع الذكاء الاصطناعي التوليدي لقلب العديد من قطاعات الصناعة الإبداعية وما وراءها، مما يهدد الوظائف الحالية ونماذج العمل على المدى القصير”.

وقد تم نشر مقالهما في 15 من يونيو/ حزيران، بعد يومين من وفاة كورماك مكارثي، مؤلف كتب “ذا رود” (الطريق) و”نو كنتري فور أولد مين” (لا بلد للعجائز)، و”بلود ميريديان” (خط الدم)، وُصف خلال الأعوام الأخيرة بأنه أفضل رواية أمريكية كُتبت على الإطلاق، على الرغم من أنه نُشر عام 1985.

وفي 13 من يونيو، وهو اليوم الذي توفي فيه مكارثي، قال المغني البريطاني بول مكارتني، العضو في فريق الروك البريطاني الشهير “ذا بيتلز”، إنه تم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحقيق صوت عضو الفريق الراحل جون لينون، من خلال أشرطة التسجيلات التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، لإدراجه ضمن ما سيكون آخر أغنية لفريق البيتلز، التي سيتم طرحها خلال العام الحالي 2023.

 

ولكن هل يمكن أن يتجاوز برنامج “تشات جي بي تي” وغيره من أدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، هذا النوع من العمل الذي تم إنجازه بصوت الفنان الراحل جون لينون؟ هل يمكن لهذه الأدوات محاكاة السرد القصصي الخاص بمكارثي، ونسجه السلس والفريد لقصائد غنائية مبهجة؟

يبدو أن الأمر غير محتمل، وذلك من خلال الرجوع إلى الحسابات الحديثة، من خلال ما تم نشره في الصحف بداية من (واشنطن بوست) وصولًا إلى (بيزنس إنسايدر)، لما تبتكره الروبوتات عندما طُلب منها تقديم عمل خيالي.

كما يبدو الأمر وكأنه بعيد جدًّا عن أحد المقاطع الأكثر شهرة للراحل مكارثي، وهو مشهد “كوين توس” (أو رمي العملة المعدنية) في فيلم “نو كنتري فور أولد مين” في نسخته السينمائية الشهيرة التي تنتشر على الإنترنت منذ وفاة مكارثي عن عمر ناهز 89 عامًا.

جدير بالذكر أن أوربا كانت قد بدأت التحرك من أجل تنظيم الذكاء الاصطناعي، وتشديد المعايير الأمنية المتعلقة ببرامج تقليد الأصوات، مثل تشات جي بي تي، وفرض إطار تنظيمي على المطورين والمصنعين، الذين يسعون إلى العمل في الأسواق الداخلية للاتحاد الأوربي. ويمثل هذا السعي تحديًا طموحًا في السوق العالمية، بعدما سمحت الولايات المتحدة والصين للتقدم التكنولوجي بالانطلاق بلا حدود.

واقترحت المفوضية الأوربية قبل عامين مجموعة قواعد، في إطار ما يعرف باسم ” قانون الذكاء الاصطناعي”، الذي تتناوله مفاوضات في بروكسل حاليًّا، ويتوقع أن يصبح أول قانون للذكاء الاصطناعي على الإطلاق.

وفي 28 من إبريل/ نيسان الماضي، توصلت المجموعات السياسية بالبرلمان الأوربي إلى اتفاق مبدئي على كتاب القواعد الخاص بالذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوربي، الذي يركز بشكل خاص على ما يعرف باسم “نماذج التأسيس”، أي اللبِنات المعرفية الرئيسية التي تشكل أساسًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

المصدر : مجلة ساينس