بين الانقلابات والجفاف.. إفريقيا تعيش تحديات مزمنة ومخاطر متزايدة (فيديو)

رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي خلال اجتماع- نيروبي 16 يوليو (AFP)

ناقش مؤتمر نظَّمه مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، وعبر 6 جلسات، التحديات الراهنة والمستقبلية للقارة الإفريقية، وسلَّط الضوء على ظاهرة الهجرة السرّية من القارة إلى دول أوربا.

واستعرض المؤتمر الذي أداره سالم المحروقي -المذيع بقناة الجزيرة مباشر- تداعيات تغيُّر المناخ على الأمن الغذائي لدول القارة، وبحث سياسات القوى الكبرى، والصراع الناشب بينها لتكريس الحضور والتأثير، وأثر ذلك على استقلالية دول القارة وحسن استثمار مواردها.

الانقلابات العسكرية

وتطرّق الباحثون والخبراء، خلال جلسات المؤتمر الذي عُقد يومي الأحد والاثنين 16و17 يوليو/تموز، إلى الانقلابات العسكرية التي ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة بالقارة، وتداعيات هذه الانقلابات على أمن تلك الدول واستقرارها.

كما أفرد المتحدثون في المؤتمر مساحة من نقاشاتهم لبحث طبيعة النزاعات الداخلية والبينية الدائرة في العديد من دول القارة الإفريقية، ونقَّبوا عن خلفياتها وتعمقوا في فهم أسبابها وحللوا أسباب تعثُّر التوصل إلى حلول لها.

واختتم المؤتمر جلساته بالحديث عن مستقبل القارة الإفريقية في ظل المتغيرات الجارية على الخريطة التقليدية لموازين القوى العالمية، ولا سيما بعد حالة الاستقطاب التي شهدها العالم منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا قبل نحو عام ويزيد.

إفريقيا والتحديات الخطيرة

وانعقد المؤتمر في سياق ما تواجهه إفريقيا من تحديات خطيرة قد تؤدي في المستقبل المنظور إلى تفاقم مستويات هشاشة الدول والسكان والمجتمعات، كما تهدد الأمن الغذائي والقدرة على الصمود.

وقال الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، في كلمته الافتتاحية، إن إفريقيا حاضرة بالنسبة للجمهور العربي جغرافيًّا وتاريخيًّا وديمغرافيًّا بالإضافة إلى حضورها سياسيًّا، راهنًا ومستقبلًا.

وأكد أن اهتمام مركز الجزيرة للدراسات بالبحوث والفعاليات المتعلقة بالقارة الإفريقية لا يرجع فقط إلى ما تعانيه أغلب دول القارة من حروب بينية ومشكلات اقتصادية واجتماعية، وإنما أيضًا لوجود القارة الإفريقية في بؤرة الصراع الدولي.

وقال إن ذلك نجم عنه تنافس كبير بين الدول الكبرى ليكون لها حضور ونفوذ، الأمر الذي يستلزم عرض هذا الحضور وذلك التنافس على مائدة البحث العلمي الرصين لرصده وتحليله وقراءة تفاعلاته واستشراف تداعياته.

وخلص المتحدثون في جلسة حول الهجرة من إفريقيا باتجاه القارة الأوربية والسبل الكفيلة بتنظيمها للحد من خطورتها ومراعاة مصالح المهاجرين والبُلدان المستقبلة من جهة ثانية، إلى أن هذا النوع من الهجرة يُعَد تهديدًا بنيويًّا للقارة الإفريقية.

وأكدوا أنه بحاجة إلى مقاربة دولية جماعية في إطار “حوكمة الحدود وآلية الهجرة”، وما يتطلبه ذلك من وضع خطة لتنمية القارة الإفريقية حتى لا تصبح دولها طاردة للعمالة.

كما دعوا إلى تحسين ظروف احتجاز المهاجرين في البُلدان التي يتخذونها منصات انطلاق، واحترام حقوقهم القانونية والإنسانية، والتوصل إلى تعريف دقيق وواضح لمصطلحي الهجرة واللجوء، بالإضافة إلى توفير الأمن والحماية لهم وفقًا للقانون الدولي.

وطالبوا بتوفير فرص حقيقية للهجرة الفعالة وميسورة التكلفة، وقيام الدول الأوربية بمسؤوليتها تجاه الدول الإفريقية الفقيرة، باعتبار أن هذه الدول كانت مستعمرات لها، وبخاصة فرنسا، لمدة تتراوح بين 70 إلى 130 سنة؛ مما أثَّر سلبيًّا على مقدَّراتها وقدرتها على التنمية.

الجفاف وانخفاض إنتاج الغذاء

واستعرض المؤتمر المخاطر الناجمة عن التغير المناخي وتداعياتها على القارة، حيث أكد المتحدثون أن إفريقيا عمومًا وخاصة شرقها، من أكثر مناطق العالم تأثرًا بالتغيرات المناخية التي تتجلى في موجة الجفاف المستمرة منذ عام 2008، بسبب “جريمة الاحتباس الحراري التي لم تشارك في صنعها”.

وأوضحوا أن للتغيرات المناخية آثارًا سلبية على القارة بأكملها، تتمثل في فقدان التنوع البيولوجي، وانخفاض إنتاج الغذاء، والتقلبات المناخية الحادة التي تلقي بظلالها السلبية على حياة السكان.

الجفاف في إفريقيا حيث يعاني الملايين من الجوع (AFP)

وأشاروا إلى أن الجفاف ليس هو الظاهرة الأبرز لتداعيات التغير المناخي، وإنما الكميات غير المعتادة من هطول الأمطار أيضًا، التي أدت في بعض البُلدان إلى سيول وانجراف التربة، ووفاة العديد من السكان، ونزوح نحو مليون في الصومال وجنوب السودان.

وخلص المتحدثون إلى أنه في حال اهتمت دول القارة بالجانب الزراعي، واتبعت سياسة حمائية للإنتاج الزراعي، فإن أغلب السكان سيبقون آمنين مكتفين ذاتيًّا في قراهم، ولن ينزحوا إلى المدن بحثًا عن العمل ومنها إلى الدول الأوربية عبر “قوارب الموت”.

الصراعات الداخلية

وخصَّص المؤتمر جلسته الثالثة للحديث عن الصراعات والنزاعات الداخلية التي تضرب أسس الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، وأرجع المتحدثون أسبابها إلى جملة من العوامل الداخلية والخارجية.

ومن أبرزها تركة الاستعمار الغربي الثقيلة التي زرعت الفرقة والشقاق بين شعوب القارة، وأججت الصراعات العرقية والقبلية والجهوية والدينية والمذهبية، ودعَّمت أنظمة حكم و”أقليات” موالية لها.

معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اندلعت وسط الخرطوم (AFP)

كما أرجع المتحدثون استمرار تلك الصراعات وصعوبة التوصل إلى حلول لها إلى العامل الخارجي المتمثل في تنافس القوى الكبرى على موارد القارة، واستخدامها كل الوسائل لتحقيق ذلك، بما فيها وسائل غير مشروعة عبر توجيه “شركات قتال من المرتزقة” مثل شركة فاغنر على سبيل المثال لتنفيذ أجندة الدولة الروسية الداعمة لها.

وبعد استعراض أسباب النزاعات وطابعها، خلص المتحدثون إلى أنها مرشحة للاستمرار، بل ومتوقَّع لها أن تزداد ما لم توفَّق جهود الاتحاد الإفريقي لوقف النزيف الدموي الناجم عن تلك النزاعات، وما لم تتوقف الأطراف الخارجية عن تغذيتها وإدامتها.

روسيا أفريقيا
جلسة المباحثات بين الرئيس الروسي والوفد الأفريقي (رويترز)

النفوذ الأجنبي

وناقش المؤتمر في جلسته الرابعة سياسات القوى الكبرى تجاه القارة، وما تمثله مواردها الغنية بالطاقة والموارد الطبيعية والبشرية وموانئها ذات الموقع الإستراتيجي من عوامل جذب لتلك الدول، وما يدور بينها من صراع لتكريس الحضور والتأثير في القارة، وأثر ذلك الصراع على استقلالية دول القارة وحسن استثمار مواردها.

وخلص المتحدثون إلى أن القارة الإفريقية ستبقى طيلة القرن الحادي والعشرين مفتوحةً على التنافس الدولي ومستقطبةً له، وأن الصين ستبقى الخيار المفضَّل للكثير من دول القارة نظرًا لعدم وجود ماضٍ استعماري لها في القارة.

أكثر من نصف النمو السكاني العالمي سيكون في إفريقيا (رويترز)

بين الإصلاحات والانقلابات

وتطرقت الجلسة الخامسة إلى عوامل عدم الاستقرار في العديد من دول القارة، وتعثُّر مسيرة الإصلاحات السياسية بها، ودخولها بسبب ذلك في دوامة من العنف والانقلابات العسكرية تلقي بظلالها السلبية على شتى مناحي الحياة، ولا سيما فيما يتعلق بانتشار الفساد واستشرائه، وتهميش الجماعات السياسية والعرقية الأخرى.

وناقشت الجلسة ما يتعلق بذلك من انتشار الفساد واستشرائه، وتهميش الجماعات السياسية والعرقية الأخرى، واستشهدت ببعض نماذج الإصلاح السياسي الناجحة لمقارنتها بتلك التي أخفقت في تلبية التطلعات.

وانتهى المتحدثون في هذه الجلسة إلى أن الانقلابات العسكرية في إفريقيا لم تنقطع منذ حصول الدول الإفريقية على “استقلالها”، غير أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت “كثافة” ربما غير مسبوقة في هذا الحيز الزمني الضيق.

ففي سنة 2020 مثلًا، وقع في إفريقيا 12 انقلابًا من أصل 13 انقلابًا حصل في كل أنحاء العالم، وفي سنة 2021، شهدت القارة 6 انقلابات، 4 منها ناجحة.

وأشار المتحدثون إلى أن العسكريين حينما يستولون على السلطة يكون بقاؤهم فيها صعبًا ومغادرتهم لها أصعب، ما يعني أن الديمقراطية الإفريقية تعيش حاليًّا محنة وستظل تعاني وسط هذه المحنة لسنوات طويلة قادمة، ما لم تنتفض الشعوب ضد هذا النوع من الانقلابات وأنظمة الحكم.

ملايين الأشخاص يعيشون بدون كهرباء، معظمهم في إفريقيا جنوب الصحراء (AFP)

“عولمة دون أجندة”

وبحثت الجلسة السادسة والأخيرة من المؤتمر تأثيرات العولمة على دول ومجتمعات القارة الإفريقية، وخاصة الجانب السلبي من تلك التأثيرات.

وخلص المتحدثون إلى أن القارة الإفريقية دخلت “عصر العولمة” دون استعداد كافٍ، وبلا أجندة اجتماعية أو وطنية للتعامل مع التحديات والمخاطر التي تمثلها هذه العولمة، مما أدى إلى تقليص قدرة دول القارة على استقلالية قرارها الوطني، وتسبب في تصدع “الكتلة الإفريقية” وتفاقم أزمة النظم والدول والمجتمعات الهشة والمهدَّدة في بنيتها.

واختتم المتحدثون نقاشاتهم بأهمية إدراك قادة إفريقيا ونخبها السياسية والفكرية لمخاطر وتحديات العولمة، وضرورة توصلهم إلى “رؤية ذاتية جامعة” تعمل على توجيه إفريقيا وتفاعلها مع تلك المخاطر، استنادًا إلى البعدين الإدراكي والمعرفي.

المصدر : الجزيرة مباشر