10 أخطاء فادحة ارتكبها مخططو ومنفذو عملية استهداف خاشقجي

القنصلية السعودية في إسطنبول حيث اختفى جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول
القنصلية السعودية في إسطنبول حيث اختفى جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول

أثار الكشف عن تفاصيل عملية استهداف الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وخاصة الإعلان عن أعضاء الفريق المشتبه في تورطهم بالعملية، عدة تساؤلات بشأن مدى كفاءة العملية والتخطيط السيء لها.

لم تتوقف تلك التساؤلات عند مناوئي السلطات السعودية فقط، بل تعدتها إلى أشخاص مؤيدين للحكومة السعودية حاولوا تبرئتها من التورط في العملية عبر القول إن التورط السعودي غير منطقي لأن العملية تبدو مكشوفة، ووصفها البعض بأنها عملية “غبية”. كما اتهم آخرون من سموه “طرف ثالث” بالتخطيط للعملية بهذا المستوى الرديء لتسهيل كشفها للسلطات التركية بهدف ضرب العلاقات التركية السعودية.

 

لكن في ظل عجز السلطات السعودية عن تقديم دليل واضح يثبت مغادرة خاشقجي للقنصلية، يظل تورط السعودية الاحتمال الأقرب للصحة، خاصة مع تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي قال فيه إن السعودية تبدو ضالعة في العملية. كما كشفت صحيفة واشنطن بوست أن المخابرات الأمريكية اعترضت مراسلات لمسؤولين سعوديين تشير إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان هو من أمر بعملية لاستدراج جمل خاشقجي للسعودية واعتقاله.

وحتى بعد الإعلان التركي عن الشخصيات والأسماء المشتبه بها، لم تتحرك السلطات السعودية للتحفظ عليهم ولو بصورة مبدئية للتحقيق معهم بشأن الاتهامات الموجهة لهم، ولم يصدر أي رد فعل رسمي سعودي حتى الآن بخصوص هؤلاء المتهمين، مما يدفع إلى الاعتقاد بوجود تورط رسمي في العملية.

وفيما يلي رصد لأبرز الأخطاء التي وقع فيها الأشخاص المشتبه في تورطهم بعملية استهداف خاشقجي.

أخطاء التخطيط
  • سوء التوقيت: تزامنت عملية الاستهداف مع قيام ابن سلمان بإجراء حوار مع وكالة بلومبرغ حاول من خلاله القيام بحملة علاقات عامة وتسويق نفسه أمام الغرب باعتباره رجل دولة مصلح، لتسدد العملية ضربة قاتلة لتلك الخطط التي أنفق عليها ابن سلمان مئات الملايين من الدولارات طوال الأشهر الماضية. بالإضافة إلى تزامن العملية انعقاد مؤتمر عالمي لمناقشة مستقبل الاستثمار في السعودية الشهر الجاري.
     أما خارجيا فتبدو العملية في أسوأ وقت بالنسبة للإدارة الأمريكية قبل شهر واحد من انتخابات الكونغرس، الأمر الذي سيستغله معارضو ترمب للضغط عليه من أجل اتخاذ إجراءات صارمة بحق الحكومة السعودية إذا ثبت تورطها في العملية، حتى لا يظهر في صورة المتواطئ أو المتصالح مع استهداف الصحفيين.
  • اختيار المكان: كان يمكن أن يكون الاستهداف في أي مكان آخر غير القنصلية السعودية وبطرق أخرى لإبعاد الشبهات عن تورط السلطات السعودية في العملية، خاصة أن القنصلية هي التي حددت موعدا لخاشقجي للذهاب إليها، فكان من الطبيعي أن يخبر خاشقجي أصدقاءه والمقربين منه بموعد ذهابه، وهو ما أدى إلى اكتشاف العملية مبكرا بعد دخوله بساعتين. كما أن استهداف خاشقجي داخل القنصلية وضع المسؤولين السعوديين في مأزق بعد مطالبتهم بتقديم دليل على خروجه منها، الأمر الذي دعاهم إلى القول إن كاميرات المراقبة لم تسجل لقطات في ذلك اليوم، وهو مبرر لم يقنع المسؤولين الأتراك والأمريكيين، وهو ما عبر عنه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بوب كوركر بقوله “لم أسمع في حياتي بنظام كاميرات مراقبة كهذا، كما أنه يصعب علي تصديق ذلك”.
  • الاستعانة بأشخاص معروفين: وفقا للمعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام التركية، فإن فريق الاستهداف يتكون من ضباط في وحدات مختلفة من الجيش السعودي ولهم مناصب معلنة، بالإضافة إلى طبيب تشريح معروف، ومعظمهم لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهر بعضهم في صور سابقة مع ولي العهد السعودي نفسه، والبعض الآخر نشرت عنه عدة أخبار في وسائل الإعلام، وهو ما يخالف طبيعة الأعمال المخابراتية السرية التي تستعين بأشخاص مجهولين لا يعرف عنهم ارتباطهم بالحكومة في مثل هذا النوع من العمليات.
فريق استهداف خاشقجي الذي كشفت عنه الصحف التركية
  • جوازات سفر حقيقية: دخل جميع أعضاء الفريق بجوازات سفر تحمل أسماءهم ووظائفهم وجميع بياناتهم الحقيقية، بدلا من استخدام جوازات سفر تحمل أسماء أخرى.
  • إجراءات عكسية: وصل أفراد فريق الاستهداف قبل ساعات فقط من دخول خاشقجي إلى القنصلية، وحجزوا غرفا فندقية لمده 4 أيام. ولكنهم قاموا بتسجيل الدخول يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول وغادروا البلاد في نفس اليوم بعد الإعلان عن اختفاء خاشقجي، وهو تزامن أثار شكوك المسؤولين الأتراك ودفعهم إلى التحقق من تحركاتهم منذ دخولهم إلى البلاد. كما عزز تعامل القنصلية السعودية من الشكوك بشأن تورطها في العملية، إذ قامت بإعطاء الموظفين الأتراك داخل القنصلية أجازة في يوم دخول خاشقجي، وهي تصرفات تعطي أثرا عكسيا وتثير الشكوك والريبة أكثر مما تغطي على العملية.
أخطاء التنفيذ
  • الفشل في تحقيق الهدف: أبلغ مصدر سعودي رويترز بأن المخابرات البريطانية تعتقد أنه كانت هناك محاولة لتخدير خاشقجي داخل القنصلية انتهت بإعطائه جرعة زائدة أدت إلى وفاته. وتعزز هذه التصريحات الفرضية التي تقول إن الهدف الرئيسي من العملية كان اعتقال خاشقجي وليس اغتياله، الأمر الذي يعني أن الفريق فشل فشلا ذريعا في تحقيق مهمته، ولذلك استدعت الحاجة لإرسال فريق ثان للتخلص من الجثة.
  • التحرك بشكل جماعي: استقل أفراد الفريق طائرتين خاصتين تابعتين لشركة مملوكة للحكومة السعودية، وفقا لما نشرته وكالة رويترز، كما أقاموا بشكل جماعي في فندقين وتحركوا بصورة جماعية في الفندق والشوارع والقنصلية، ولم يحاولوا التفرق لتشتيت الانتباه. ففي عملية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح على سبيل المثال، دخل أعضاء فريق الاغتيال إلى دولة الإمارات بجوازات سفر أوربية مزورة قادمين من عدة دول أوربية وعبر رحلات تجارية عادية، ولم يلتقوا ببعضهم على الإطلاق طوال معظم فترة إقامتهم في دبي وحتى إنهاء عمليتهم ومغادرتهم البلاد.
  • الغطاء السياسي: لم يكن تعامل السلطات السعودية مع أنباء اختفاء خاشقجي محترفا، وظهر واضحا أنها لا تكترث بمعرفة مصير أحد مواطنيها، وظهر ذلك واضحا في دعوة ابن سلمان السلطات التركية لتفتيش القنصلية في حواره مع وكالة بلومبرغ، إذ بدا أن ولي العهد يهتم بإبعاد الشبهات حوله أكثر من اهتمامه بمعرفة مكان خاشقجي.

  • الارتباك الإعلامي: لم تتفق وسائل الإعلام السعودية وتوابعها في الإمارات ومصر وكذلك ما يسمى “الذباب الإلكتروني” بمواقع التواصل الاجتماعي على رواية واحدة متماسكة بشأن القضية، إذ تراوح الأداء بين إبداء الشماتة في خاشقجي والتفاخر بجلبه من تركيا، ثم التبرؤ من الأمر برمته ومسح تغريدات قديمة تحتوي على تهديدات له أو لمعارضين آخرين، ثم اتهام خطيبته بالتورط في القضية، ثم اتهام قطر وتركيا بالتخطيط للعملية لإحراج السعودية، وتطور الأمر بعد ذلك إلى اتهام الإعلام العالمي بالكامل بالتآمر مع الحكومات والمنظمات الحقوقية الدولية ضد المملكة.
    وأخيرا محاولة صرف الأنظار عن القضية بترويج شائعات عن اعتذار كندا للسعودية.
    كما نشرت صحف سعودية تصريحات عن تعطل كاميرات المراقبة داخل القنصلية، قبل أن تحذف تلك التصريحات، ثم تؤكدها مرة أخرى بعد أن كرر السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان التصريح نفسه.
    ومع زيادة الضغط على السعودية لتحديد مكان مواطنها المختفي، اصطحب القنصل السعودي في إسطنبول مراسلا لرويترز في جولة حول القنصلية يوم السبت السادس من أكتوبر/ تشرين الأول، وظهر القنصل وهو يفتح الخزانات والأدراج في مشهد أثار سخرية واسعة.

  • تأثير عكسي: تبدو العملية عديمة الجدوى إذا كان الهدف منها إسكات خاشقجي والقضاء على تأثير خاشقجي لدى دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، إذ أدت العملية إلى تأثير عكسي تماما وأصبحت القيادة السعودية في وضع لا تحسد عليه مع تزايد الضغوط الأمريكية والدولية عليها لكشف حقيقة ما حدث.

وقد وصل الاستغراب من مستوى العملية والسخرية منها إلى قيام عدد من المغردين والنشطاء بتوجيه “نصائح” للسعوديين بأفضل الطرق لتنفيذ عمليات مثل هذه حتى لا يتم اكتشافهم.

 

المصدر : الجزيرة مباشر