مصر.. لماذا يرتفع نمو الاقتصاد ويزداد المواطنون فقرا؟ باحث يجيب

مصريات يحتشدن للحصول على خبز مدعم
مصريات يحتشدن للحصول على خبز مدعم

قال الباحث الاقتصادي المصري عمرو عدلي، في مقال له بوكالة بلومبرغ الأمريكية، إن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة المصرية نجحت في تحسين واستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي.

لكن هذه الإصلاحات أخفقت في الوقت نفسه في خلق المزيد من الوظائف، ما أدى إلى تفاقم معدلات الفقر، وفق الباحث وهو أستاذ مساعد بالجامعة الأمريكية في القاهرة.

أبرز ما جاء في مقال عمرو عدلي الأستاذ المساعد في الجامعة الأمريكية بالقاهرة
  • رغم أن مصر لديها الاقتصاد الأسرع نموًا في الشرق الأوسط فإن المصريين يزدادون فقرًا.
  • هذه المعضلة تشغل بال الاقتصاديين منذ أن أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقريره عن معدلات الفقر والذي أشار إلى ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 5٪ خلال السنوات الثلاث الماضية.
  • هذه هي الفترة التي ارتفع فيها النمو الاقتصادي، وهو نمو يرجع الفضل في جزء كبير منه إلى الارتفاع المستمر في مستويات الديْن الخارجي.
  • من السهل تفسير الأرقام المتعلقة بالفقر باعتبارها الأثر الاجتماعي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الدولة تحت إشراف صندوق النقد الدولي منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016.
  • البرنامج تضمن تخفيضًا هائلًا في قيمة الجنيه، تلاه جولات من خفض الدعم وزيادة ضرائب الاستهلاك.
  • يقول مراقبون إن هذه التدابير أفقرت الكثير من المصريين، رغم أن مؤشرات الاقتصاد الكلي مستقرة، فالتضخم مثلا تحت السيطرة، كما خُفضت أسعار الفائدة، واستقر سعر الصرف.
  • لكن الواقع أن زيادة معدلات الفقر تسبق برنامج الإصلاح الاقتصادي الأخير.
  • الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن معدلات الفقر ازدادت بشكل مطرد منذ أوائل التسعينيات؛ حيث تضاعف المعدل تقريبًا منذ عام 2000.
  • الارتفاع الأخير في معدلات الفقر هو استمرار لهذا الاتجاه الذي لم تتمكن المحاولات السابقة من الإصلاحات المالية والنقدية، برعاية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من تغييره بل ربما ساهمت هذه المحاولات نفسها في تفاقمه.
عوامل غائبة عن الصورة
  • الذين يركزون على دور برنامج التقشف الأخير الذي رعاه صندوق النقد الدولي في تفسير معدلات الفقر المتزايدة تفوتهم بعض العوامل الأخرى التي ساهمت في هذا الاتجاه.
  • أول هذه العوامل هو تركيبة النمو الاقتصادي من حيث القطاعات التي ساهمت فيه.
  • القطاعات التي حققت أعلى معدل نمو وخلقت قيمة اقتصادية هي قطاعات تعتمد على رأس المال والطاقة، وتخلق فرص عمل قليلة نسبيًا، مثل قطاعات النفط والغاز، والخدمات المصرفية، والاتصالات السلكية واللاسلكية.
  • بعض القطاعات النامية مثل قطاع الإنشاءات، خلقت فرص عمل، لكنها كانت وظائف منخفضة الجودة، وتتطلب مهارة منخفضة، وتوفر أجورا متدنية. والشيء نفسه يمكن قوله عن السياحة.
مصريون أمام أحد مراكز التموين لتلقي السلع الأساسية (غيتي)
  • القطاعات التي قد تخلق وظائف تتميز بالإنتاجية العالية وارتفاع الأجور، مثل الخدمات التي تتطلب مهارات عالية والصادرات المصنعة ذات القيمة المضافة العالية، والتي تتطلب مدخلات من المهارة والتكنولوجيا، لم تحقق نموا بنسبة تؤثر على معدلات الفقر الإجمالية.
  • هذه القطاعات تتطلب استثمارات عامة كبيرة في مجالات التعليم، والتدريب المهني، وفي البحث والتطوير، بالإضافة إلى بنية تحتية مؤسسية مواتية للابتكار وريادة الأعمال. لكن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تمنح الأولوية لأي من هذا.
  • الكثير من فرص العمل في مصر، وخصوصًا منذ الثمانينيات من القرن العشرين، كانت في القطاع غير الرسمي، إما من خلال العمل الحر أو في الأعمال التجارية الصغيرة التي تخلق وظائف متدنية الأجور.
  • أظهرت دراسة لمنظمة العمل الدولية عام 2009 أن 91٪ من الشباب العاملين في مصر يعملون بشكل غير رسمي، في وظائف تتميز بانخفاض الإنتاجية، وانخفاض الأجور، وعدم وجود حماية اجتماعية.
  • وفقًا لمؤشر البنك الدولي للعمالة غير المستقرة، وصل متوسط نسبة العمالة غير المستقرة في مصر بين عامي 1997 و2007، إلى 24.09٪ من إجمالي العمالة في البلاد.
  • العامل الثاني الذي يساهم في الارتفاع الكبير في معدلات الفقر يتعلق بإعادة توزيع الثروة.
  • في ظل عدم القدرة على جمع ضرائب الثروة والدخل، وفي ظل انخفاض الضرائب مقارنة بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ظلت الدولة المصرية في أزمة مالية مزمنة منذ الثمانينيات من القرن العشرين.
  • غالبًا ما عولج هذا من خلال تدابير التقشف العرضي، والتي تنفذ في كثير من الأحيان تحت رعاية صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك.
  • أدى كلا الإجراءين إلى إلقاء عبء إدارة الأزمة المالية بشكل غير متساو على السكان الأكثر فقرًا والأكثر ضعفًا.
  • المؤسسات المالية الدولية كانت متواطئة على الأقل في التطبيق المتكرر لهذه السياسات المسببة للفقر، واعتبرتها إصلاحات ضرورية لتحقيق الاستقرار في مؤشرات الاقتصاد الكلي وإعادة تنشيط الاقتصاد.
ما هو التحدي؟
  • هذه الإصلاحات المزعومة ركزت طوال عقود، سواء في مصر أو في دول أخرى من نصف الكرة الجنوبي، على استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي باعتباره شرطًا ضروريًا وكافيًا للتنمية التي يقودها السوق.
  • المشكلة هي أن المؤشرات الإجمالية مثل عجز الموازنة، ومعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، والاحتياطيات الأجنبية، هي مؤشرات مجردة للغاية، بحيث لا يمكنها استيعاب الأبعاد الاجتماعية والسياسية والتأثيرات الاقتصادية.
  • التحدي إذن يتمثل في تمكين المزيد من الناس، وخصوصًا النساء والرجال في سن العمل، من المشاركة في توليد القيمة الاقتصادية.
  • بدلًا من التركيز بشكل أساسي على النمو الاقتصادي، ينبغي على صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية المقرضة، وكذلك من يديرون الاقتصاد المصري، الاعتناء بالمكان الذي يحدث فيه النمو، وكيفية إعادة توزيع النمو من خلال الإنفاق الحكومي والإيرادات.
المصدر : بلومبرغ