شحنة الصدفة في بيروت.. كيف أدت زيارة عابرة للميناء إلى كارثة؟

مرفأ لبنان عقب انفجار أطنان من مادة نترات الأمونيوم المتفجِّرة الثلاثاء الماضي
مرفأ لبنان عقب انفجار أطنان من مادة نترات الأمونيوم المتفجِّرة الثلاثاء الماضي

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، الثلاثاء الماضي، أسوأ انفجار في وقت السلم، بعد سبع سنوات من استقبال مرفأ بيروت شحنة تحوي أطنانًا من مادة كيميائية متفجِّرة.

وصلت مادة نترات الأمونيوم “شديدة الانفجار” على متن سفينة شحن متهالكة باسم (إم في روسوس MV Rhosus)، ويستأجرها رجل الأعمال الروسي إيغور غريتشوشكين، من مدينة خاباروفسك في سيبريا ويعيش في قبرص، ووفق قبطان السفينة بوريس بروكوشيف (70 عاما): “لم يكن من المقرر أن تتوقف هذه الشحنة في بيروت”. 

وقال بروكوشيف “كانوا جشعين”، موضحًا أن مالك السفينة أبلغه أن عليه أن يتوقف، وبشكل “لم يكن مُدرجًا في برنامج رحلته” في لبنان لتحميل شحنة إضافية.

أضاف بروكوشيف أن السفينة كانت تحمل ألفين و750 طنًّا من نترات الأمونيوم من جورجيا إلى موزمبيق، عندما جاءه الأمر بالاتجاه إلى بيروت في طريقه عبر البحر المتوسط.

ومادة نترات الأمونيوم عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يُستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية، وتسبّب بعدد من الحوادث الصناعية منها انفجار مصنع “إي. زد. أف” في مدينة تولوز الفرنسية عام 2001.

وطُلِبَ من طاقم السفينة تحميل بعض معدات الطرق الثقيلة ونقلها إلى ميناء العقبة الأردني قبل استئناف الرحلة إلى أفريقيا، إذ كان من المقرر تسليم نترات الأمونيوم لشركة تصنيع متفجرات.

لكن السفينة لم يُكتب لها أن تغادر ميناء بيروت أبدًا بعد أن حاولت -دون جدوى- تحميل الشحنة الإضافية بأمان؛ لتسقط في براثن نزاع قانوني طويل بخصوص رسوم الميناء.

وعن محاولة تحميل الشحنة الإضافية، قال بروكوشيف لوكالة رويترز عبر الهاتف من منزله في مدينة سوتشي الروسية على ساحل البحر الأسود “كان مستحيلًا! كان من الممكن أن تُدمَّر السفينة كلها؛ فقلت لا”.

واتهم القبطان ومحامو بعض الدائنين مالك السفينة بالتخلي عنها، ونجحوا في استصدار أمر بالتحفظ عليها، وبعد أشهر ولأسباب تتعلق بالسلامة فُرِّغت شحنة نترات الأمونيوم ووضِعت في المستودع رقم 12 بالميناء، وربما نجحت السفينة في مغادرة بيروت لو أنها تمكنت من تحميل الشحنة الإضافية.

واشتعلت النيران في المستودع رقم 9 جراء أعمال لحام، الثلاثاء الماضي، وامتد الحريق إلى العنبر 12 فانفجرت نترات الأمونيوم، وذلك على مقربة من منطقة سكنية مأهولة بالمدينة. 

وأسفر الانفجار الهائل عن مقتل 145 شخصًا وإصابة 5 آلاف آخرين، وسوى بناياتٍ بالأرض وتسبَّب في تشريد أكثر من ربع مليون شخص، فيما لا يزال العشرات في عداد المفقودين.

وقال رئيس بحارة السفينة الأوكراني بوريس موسينشاك إن الطاقم كدّس المعدات، التي كان بينها حفارات وآليات ضخمة لتمهيد الطرق، فوق أبواب مخزن الشحن الذي يحوي نترات الأمونيوم في جوفه، لكن الأبواب انبعجت تحت ثِقل المعدات.

وأضاف موسينشاك لوكالة رويترز  “السفينة قديمة وانثنى غطاء المخزن، لذا قررنا عدم المخاطرة”. 

وأمضى القبطان وثلاثة من أفراد طاقم السفينة 11 شهرًا على متنها خلال النزاع القانوني دون تلقي رواتب وبإمدادات غذائية محدودة، ونجحوا في إقناع القضاء اللبناني بالمغادرة على خلاف الدستور اللبناني، والذي يقضي ببقاء الطاقم على متن السفية خلال مدة احتجازها. 

وأخلى القضاء سبيلهم -باستثناء ربانها وأربعة من طاقمها الذين بقوا على متنها- بعدما تأكد من خطورة شحنة نترات الأمونيوم على حياة الطاقم، وبمجرد مغادرتهم جرى تفريغ نترات الأمونيوم إلى العنبر رقم 12 بالميناء، والمخصص لتخزين البضائع العالقة والمصادرة.

وقال بروكوشيف: “كانت الشحنة سريعة الانفجار، لذلك ظلت على متن السفينة خلال فترة وجودنا هناك، نترات الأمونيوم تلك كان تركيزها عاليًّا جدًا”.

متجهة إلى موزمبيق

وذكر مصدر أمني أن الشرطة القبرصية استجوبت غريتشوشكين (مالك السفينة)، اليوم الخميس،  في منزله بقبرص، وقال متحدث باسم الشرطة إنه استجوب شخص (لم يكشف عن اسمه) بناءً على طلب من الشرطة الدولية في بيروت فيما يتصل بالشحنة.

وكانت شحنة نترات الأمونيوم مُباعةً من شركة “روستافي أزوت إل.إل.سي” لصناعة السماد الجورجية، ومتجهة لشركة “فابريكا دي إكسبلوسيفوز” لصناعة المتفجرات في موزمبيق.

ولم يرد ممثل كبير لشركة فابريكا دي إكسبلوسيفوز على الفور على طلبٍ للتعليق (أُرسِلَ له على موقع لينكد إن).

وأبلغ مدير مصنع روستافي أزوت، ليفان بورديلادزي لوكالة رويترز أن شركته تدير مصنع الكيماويات منذ ثلاث سنوات فقط، لذا لن يتسنى له أن يؤكد ما إذا كانت نترات الأمونيوم من إنتاج شركته.

ووصف قرار تخزين المادة في ميناء بيروت بأنه يعتبر “انتهاكًا جسيمًا لإجراءات التخزين الآمن، على أساس أن نترات الأمونيوم تفقد خصائصها المفيدة في غضون ستة أشهر”.

وأشارت التحقيقات الأولية اللبنانية فيما جرى إلى تقاعس وإهمال في التعامل مع مادة كيماوية يحتمل أن تكون خطرة.

وذكرت مصادر وزارية أن مجلس الوزراء اللبناني وافق، أمس الأربعاء، على وضع كل مسؤولي ميناء بيروت المكلفين بالإشراف على التخزين والأمن منذ عام 2014 رهن الإقامة الجبرية بمنازلهم.

وقال مديرا ميناء بيروت والجمارك إن رسائل عديدة أُرسِلت للقضاء تطالب بإزالة هذه المواد، لكن لم يحدث شيء.

ووفقا لبروكوشيف فإن الماء كان يتسرب إلى السفينة، لكنها كانت صالحة للإبحار حين أبحرت إلى بيروت في سبتمبر/ أيلول 2013، إلا أن بروكوشيف قال إن السلطات اللبنانية لم تولِ اهتمامًا يُذكر لنترات الأمونيوم المخزنة في جوف السفينة في أجولة كبيرة.

وأضاف “أشعر بأسى للناس الذين قتلوا أو أصيبوا في الانفجار، لكن يجب معاقبة مسؤولي السلطات المحلية اللبنانية، لم يهتموا مطلقًا بالشحنة”.

وغرقت السفينة روسوس حيث كانت راسية في ميناء بيروت، حسبما ورد في رسالة بعثها محامٍ بالبريد الإلكتروني إلى بروكوشيف في مايو/ أيار 2018، يقول فيها إن السفينة غرقت “مؤخرًا”.

وبحسب موقع بلتيك شيبنغ فإن السفينة المذكورة قد صُنعت في اليابان في عام 1986، وحملت عدة تسميات مع مالكين مختلفين، قبل أن تستقر أخيرًا تحت اسم روسوس منذ عام 2008.

قبرص تستجوب مالك السفينة

وفي السياق، أعلنت الشرطة القبرصية، اليوم الخميس، استجوابها الروسي إيغور غريتشوشكين، وأفادت معلومات أنه مرتبط بالسفينة التي أقلت شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وكانت خلف الانفجار الكبير الذي هزَّ المدينة، الثلاثاء الماضي.

وأكد متحدث باسم الشرطة القبرصية لوكالة فرانس برس “طلبت منا السلطات اللبنانية تحديد مكان هذا الشخص وطرح الأسئلة عليه، وهذا ما فعلناه”.

وأضاف أن “تلك الأجوبة أرسلت إلى لبنان”، مشيرًا إلى أن غريتشوشكين لم يتعرض للتوقيف من قِبل الشرطة، بل خضع فقط للاستجواب بشأن حمولة السفينة بطلب من مكتب الشرطة الدولية (الإنتربول) في لبنان.

وقالت وسائل إعلام عدة بينها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن غريتشوشكين كان قد استأجر السفينة التي اضطرت إلى الرسو في بيروت بسبب ضرر في هيكلها.

وبحسب موقع “مارين ترافيك” وصلت السفينة بيروت في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 ولم تغادرها أبدًا، بعدما واجهت مشاكل فنية.

ورجَّحت مصادر أمنية عدة لفرانس برس أن تكون السفينة مرّت على شكل ترانزيت في بيروت، لكن خلال توقفها، ادّعت شركة لبنانية لدى قاضي الأمور المستعجلة على الشركة المالكة لها، فحجز عليها القضاء ثم أُفرِغت حمولتها؛ لأنها كانت تعاني من أضرار واهتراء.

وفي وقت سابق الخميس، نفت وزارة الداخلية القبرصية معلومات أفادت بأن الروسي يملك جواز سفر قبرصيا، وعرضت تقديم المساعدة إلى لبنان.

وبحسب صحيفة “بوليتيس” القبرصية، يقيم غريتشوشكين في مدينة ليماسول، وتعد مركزًا مهمًا للترانزيت في المتوسط، مع زوجته الروسية التي تحمل جواز سفر قبرصيا.

 

اقرأ أيضًا:

لماذا خزّن مرفأ بيروت أطنانا من المادة شديدة الانفجار لسنوات؟

انفجار لبنان.. تعرّف على تسلسل زمني لانفجارات لبنان

انفجار بيروت: مولدوفا تنفي مسؤوليتها.. وموسكو “سوء تخزين”

عشرات الآلاف من المشردين بلا مأوى بعد الانفجار في بيروت “المنكوبة” (فيديو)

وزير الدفاع الأمريكي يرجّح أن يكون انفجار لبنان “حادثا”

زوايا جديدة.. لقطات وثقت إصابة مصوريها خلال تغطية انفجار بيروت

هجوم متعمد أم فساد وإهمال؟ تعرف على أبرز روايات كارثة بيروت

رغم الكارثة.. مسنة لبنانية تعزف “الأمل” وسط منزلها المدمر (فيديو)

“لبنان ليس وحيدا”.. ماكرون يغرد بالعربية وجدل حول “عودة الانتداب الفرنسي”

“بيروت في قلوبنا”.. حملات لدعم لبنان ومطالبات بمعاقبة المسؤولين

بعد 24 ساعة من كارثة بيروت.. إخراج طفلة حية من بين الركام (فيديو)

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات