شاهد: لاجئون جوعى يخاطرون بالعودة لبلادهم بحثا عن الغذاء

وجد أوليفر واني في مخيم للاجئين بأوغندا، ملاذا من الحرب الأهلية في جنوب السودان، لكن عندما نفد الطعام اضطر للعودة إلى موطنه ليلقى حتفه في الصراع الذي هرب منه.

وكان المزارع (45 عاما) واحدا من أكثر من مليون شخص بجنوب السودان يعيشون في مخيمات مترامية الأطراف عبر الحدود مباشرة في شمال أوغندا هربا من الحرب المستمرة منذ أربعة أعوام والتي دمرت بلادهم.

لكن نقص التمويل والمشاكل التنظيمية غالبا ما يسهم في تأخير أو تقليص حصصهم الغذائية المتواضعة مما يدفع بعض الأسر اليائسة للعودة إلى الأراضي التي فروا منها ويسلط الضوء على الصعوبات التي تقف في طريق التعامل مع أكبر أزمة لاجئين تشهدها أفريقيا في عقدين.

ويصل اللاجئون من جنوب السودان إلى أوغندا بمعدل 35 ألف لاجئ في الشهر خلال هذا العام.

ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين فقد كان مخيم بيدي بيدي يأوي 285 ألف شخص بنهاية سبتمبر/أيلول، ما يجعله الأكبر في أفريقيا.

وقالت المفوضية إن التمويل لم يغط سوى 32% من 674 مليون دولار طلبتها لمساعدة اللاجئين في أوغندا خلال عام 2017.

كما قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إنه يواجه عجزا بواقع 71 مليون دولار خلال الأشهر الستة المقبلة.

ويقول تيمون والد واني إن ابنه، الذي كان يرعى والديه المسنين، لم يحصل على أي طعام خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول بسبب تأخر الشحنات.

ولم يستطع أوليفر أن يقاوم إغراء ذكرى المحاصيل التي تركها خلفه فعاد إلى جنوب السودان للعثور على الغذاء.

وبعد أسبوعين تعرف لاجئون عائدون آخرون على رفاته إلى جانب جثة لاجئ آخر في طريق بغابة في جنوب السودان تناثرت على أرضه فوارغ الأعيرة النارية.

وقال تيمون وهو رجل طويل ونحيل كان يغالب دموعه أثناء قداس لتأبين ابنه البكري في مخيم بالورينيا للاجئين “عاد ليبحث عن الطعام. قلبي منفطر”.

لاجئون يائسون

أجبرت الحرب المستمرة منذ أربعة أعوام في البلد الغني بالنفط، والذي استقل عن السودان في 2011، أكثر من ثلث سكانه وعددهم 12 مليونا على ترك منازلهم.

ولاقى عشرات الآلاف حتفهم بعضهم في أعمال قتل عرقية والبعض الآخر من الجوع والأمراض.

وبالورينيا هو ثاني أكبر مخيم في شمال أوغندا بعد بيدي بيدي ويضم وحده 185 ألف لاجئ.

ومن المفترض أن يحصل كل لاجئ على 12 كيلوغراما من الحبوب و6 كيلوغرامات من الفول المجفف وزيت الطهي والملح كل شهر.

لكن برنامج الأغذية العالمي قال إن هذه الشحنات تأخرت في أكتوبر/تشرين الأول لأن الحبوب كانت شحيحة في أوغندا ولأن الطرق المؤدية لبالورينيا كانت في حالة متردية.

وذكر البرنامج أن توزيع الغذاء لم يبدأ إلا يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول، ويستغرق إكمال عملية التوزيع أسبوعين لذا لم يحصل عشرات الآلاف من اللاجئين على أي طعام في ذلك الشهر.

وفي ظل حالة اليأس عاد بعضهم إلى منطقة الحرب، وقتل ثمانية لاجئين على الأقل من بالورينيا في جنوب السودان بعد أن عادوا للبحث عن الطعام في أكتوبر/تشرين الأول وفقا لروايات بعض أفراد الأسر والكنيسة الإنجيلية التي ترصد عدد الوفيات من المدنيين.

وقالت أسقفية الكنيسة في منطقة كاجو كيجي المضطربة بجنوب السودان إنه في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول عندما كانت الحصص الغذائية توزع بشكل طبيعي قتل اثنان فقط من اللاجئين عند عودتهما للبحث عن الغذاء.

وذكر مودي سكوباس جون وهو رئيس لجنة لرعاية اللاجئين في بالورينيا، أن اللاجئين يعودون لبلادهم يوميا، وتساءل “إذا لم يكن لديك ما تأكله فماذا تفعل؟.. سوف تضطر للبحث عن الطعام”.

نقص الغذاء

قتل واني في كاجو كيجي حيث تخوض الحكومة ومجموعتان متمردتان معارك من أجل السيطرة في حرب أججها الخلاف بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق ريك مشار.

وإلى جانب واني كانت هناك جثة ياسين موري (35 عاما) الذي رحل عن بالورينيا للبحث عن الطعام حسب رواية شقيقيه اللذين غامرا بدخول جنوب السودان بحثا عنه، وترك موري زوجتين وتسعة أطفال.

وقال طه إيجا أحد الشقيقين خلال مراسم جنازة في مخيم اللاجئين “الآن نحتاج للدعم لأن أطفاله وأرملتيه باتوا في عهدتنا”.

وقال موتابازي كاليب من منظمة وورلد فيجن للإغاثة التي تشرف على توزيع الغذاء إن بالورينيا متأخر بواقع شهرين عن المخيمات الأخرى في توزيع الأغذية.

وقال برنامج الأغذية العالمي إنه استبدل نصف حصة الحبوب بالمال في سبتمبر/أيلول في بعض المخيمات الأخرى حتى يتسنى للاجئين شراء الغذاء وإنه يوسع بنيته التحتية حتى يحول دون تأخر شحنات أخرى في المستقبل.

لكن اللاجئين يقولون إنه حتى عندما تصل الشحنات فإنها لا تكفي شهرا، ويقولون إنهم يبيعون كيلوغراما من بين 12 كيلوغراما من الحبوب لدفع تكاليف طحن ما تبقى من الحبوب إلى دقيق ويبيعون كيلوغراما آخر لشراء الصابون الذي يعانون من نقصه.

ويشكون أيضا من أن الفول يكون في بعض الأحيان غير صالح للأكل.

وتقول ليونج فيولا (32 عاما) وهي أم لأربعة وهي تفرز جوالها من الفول خلال توزيع شحنة 26 أكتوبر/تشرين الأول “ليست جيدة. بعضها تعفن وتنبعث منه رائحة كريهة”.

وقال الخضر دالوم مدير برنامج الأغذية العالمي في أوغندا، إن البرنامج يحقق في الشكاوى وملتزم بتزويد المستفيدين بأعلى جودة من المواد الغذائية”.

وذكر جون رئيس لجنة رعاية اللاجئين أنه حث الناس على البقاء في المخيمات، وقال “على الأقل دعونا نموت من الجوع هنا بدلا من أن نعود إلى جنوب السودان ونذبح كالدجاج”.

لكن اللاجئين الذين يتضورون جوعا غالبا ما يتجاهلون هذه المناشدات، وحزم القس تشارلز مبارك ملابس إضافية في حقيبة بلاستيكية ليحملها معه في رحلة العودة لجنوب السودان حيث يأمل في حصاد محصول الكسافا في الحقول التي تركها وراءه عندما هرب في يناير/كانون الثاني.

وقال “نحن أسرة من عشرة أفراد ولست في وضع يتيح لي إطعامهم، إذا قُتلت فسأقتل مرة واحدة لكن الموت جوعا أمر غاية في الصعوبة”.

وكان مبارك يقبل كل قميص مطوي بعناية وهو يضعه في الحقيبة، وقال “لو كانوا أعطونا حصص الغذاء لما فكرت في العودة لجنوب السودان. الغذاء هو الحياة”.

المصدر : رويترز