أول خرق لوقف النار بين السراج وعقيلة.. ماذا يريد حفتر؟

فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبيبة(يمين) وعقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق
فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبيبة(ي مين) وعقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق

لم يمر سوى أسبوع واحد على اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا حتى خرقت قوات حفتر الاتفاق بـ 12 صاروخ غراد باتجاه قوات الوفاق الحكومية غرب مدينة سرت (شمال).

وبحسب تحليل لوكالة الأناضول للأنباء لا يبدو حفتر راضيا عن الاتفاق الذي تم بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، وتم التوصل إليه بعد جهود دولية حثيثة، خاصة وأنه لم يكن طرفا رئيسيا في هذا التوافق بين السراج وعقيلة، الذي من شأنه إضعاف سلطته على قوات الشرق لصالح قيادة سياسية منافسة (رئيس مجلس نواب طبرق).

إعادة تسخين خطوط المواجهة

لذلك يحاول حفتر إثبات وجوده كلاعب أساسي في معادلة الحرب والسلام، من خلال إرسال عدة رشقات صاروخية، لم تُخلف إصابات في صفوف قوات حكومة الوفاق، لكنها أعادت تسخين خطوط المواجهة.

كما أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا القصف كان إحراج رئيس مجلس نواب طبرق، وإظهاره بمظهر العاجز عن السيطرة على قوات الشرق، وإلزامها بوقف إطلاق النار.

فاللواء حفتر الذي يسعى لحكم ليبيا كما حكمها معمر القذافي، لا يخدم أجندته السياسية والعسكرية وقف طويل لإطلاق النار، لذلك يسعى للوصول إلى هدفه عبر الخيار العسكري.

وهذا ما دفع مندوب ليبيا في الأمم المتحدة الطاهر سني، للتساؤل في أحد تغريداته هل سيلتزم من أشعل الحرب على طرابلس ومن باركها ودعمها ثم انهزم فيها بوقف إطلاق النار؟ سنرى، لكن لن نقبل المناورات أو أي تهديد جديد.

لكن حفتر يتعرض لضغوط دولية شديدة حتى من حلفائه، لوقف إطلاق النار، وقواته منهكة بعد هزيمتها في العاصمة طرابلس، ولا يملك مساحة كبيرة للمناورة، لذلك تنَصلت قواته من قصفها لقوات الوفاق غرب سرت (450 كلم شرق طرابلس).

التغطية على غليان في سرت

وبحسب الأناضول فقد تزامن إطلاق رشقات صاروخية على قوات الوفاق، مع حالة غليان غير مسبوقة بسرت، بعد مقتل شخص من أنصار نظام القذافي السابق تحت عجلات سيارة مدرعة تابعة لقوات حفتر، التي اعتقلت العشرات منهم، ووصل الاحتقان بين قبيلة القذاذفة وقوات حفتر إلى درجة الاشتباك بالأسلحة الخفيفة، ودعوة القبيلة أبناءها للانسحاب من صفوف قوات الشرق.

وهذا الوضع الأمني المتردي، صاحبه تركيز إعلامي، أحرج قوات حفتر، وأظهرها كقوة معتدية على حقوق الإنسان وعلى حق الناس في التظاهر، وخاصة بعد اقتحام المنازل وقتل متظاهر بطريق وحشية، واستقدام مرتزقة أجانب لدعم عمليات قمع مظاهرات القذاذفة.

ولتخفيف هذا التركيز الإعلامي على ما يجري في سرت، سعت قوات حفتر، لتحويل الأضواء نحو جبهة أخرى، عبر قصف خطوط المواجهة مع قوات الوفاق، حتى تحكم قبضتها على أحياء مدينة سرت في صمت.

كما يسعى حفتر لرفع معنويات أنصاره في طرابلس، الذين يحاولون اختراق المظاهرات السلمية المطالبة بتحسين الظروف المعيشية، بالإشارة إلى أنه يمكن أن يتحرك مجددا نحو العاصمة.

جس نبض

وذكرت الوكالة إنه قبيل يوم من خرق قوات حفتر اتفاق وقف إطلاق النار، بحث وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، في أبو ظبي، مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، ومستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، دعم وقف إطلاق النار في ليبيا.

فأبو ظبي مازالت أهم داعم لحفتر في حربه على الحكومة الشرعية، على الرغم من ابتعاد كثير من حلفائه عنه بمسافة، والضغط الأمريكي على الإمارات جاء بناء على نفوذها على حفتر، ودورها في تحريضه على مواصلة القتال، وحشد المرتزقة الأجانب في صفوفه.

لكن حفتر فضل رمي 12 قطعة حجر في المياه الراكدة، ورجع إلى الخلف لجس ردة فعل الأطراف الدولية إزاء خرقه لوقف إطلاق النار، وأيضا ردة فعل قوات الوفاق المرابطة في مناطق الوشكة وبويرات الحسون غربي محافظة سرت.

وجاء الرد من المتحدث باسم قوات بركان الغضب التابعة للجيش الليبي محمد قنونو، الذي أكد أن قيادة العمليات في انتظار تعليمات القائد الأعلى (السراج) للتعامل والرد على مصادر النيران في المكان والزمان المناسبين.

إلا أن السراج، لم يأمر بالتعامل بالمثل وفضل عدم الاستجابة لاستفزازات قوات حفتر، حتى لا يعطيها مبررا لنسف التوافق الهش مع رئيس مجلس نواب طبرق.

غير أنه بعد أكثر من أسبوع من إعلان التوافق على وقف إطلاق النار، لم تنسحب قوات حفتر والمرتزقة الروس من سرت والجفرة، بل تم تعزيز وجودهم العسكري، وخسائر قطاع النفط فاقت 9 ملايين دولار دون مؤشر على فتح حقوله وموانئه في الأجل القريب.

فالتوافق الذي حصل بين السراج وعقيلة، يوشك أن يلقى مصير اتفاقات باريس وباليرمو وأبو ظبي وموسكو وبرلين، التي تملص منها حفتر جميعا.

حراك شعبي يكسر الجمود العسكري

وأشارت الوكالة إلى أن حالة الجمود في جبهات القتال يقابلها حراك شعبي غير مسبوق في شرق البلاد كما غربها، بسبب انقطاعات الكهرباء وشح السيولة المالية في البنوك وانتشار الفساد، والاختطافات والاغتيالات مثلما حدث في منطقة الرجمة، عندما قطع الأهالي الطريق المؤدية إلى معقل حفتر بمدينة بنغازي، الخميس الماضي.

وهذه الأزمات ساهم حفتر بجزء كبير في تفجيرها بعدما أوقف تصدير النفط في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، فتسبب في أزمة سيولة مالية وطوابير أمام الوكالات البنكية، وانقطاع للكهرباء.

كما أقفل موالون لحفتر خلال هجومه على طرابلس، صمامات مياه النهر الصناعي في قرية الشويرف (400 كلم جنوب طرابلس)، الذي يغذي طرابلس ومدن الغرب الليبي، فخلق أزمة بقيت تداعياتها حتى بعد اندحار قوات حفتر.

فحفتر وحروبه الفاشلة تسببت في تفقير الشعب الليبي، الذي يملك ثروة نفطية تجعله من أغنى شعوب أفريقيا.

ويأمل حفتر من خلال الاستمرار في غلق النفط إلى دفع الناس للانتفاضة ضد الحكومة الشرعية وتحميلها مسؤولية معاناتهم، بهدف إسقاطها ونزع الاعتراف الدولي عنها، وبذلك يحقق في السلم ما فشل في تحقيقه بالحرب.

فالوضع في ليبيا يغلي بالكثير من الأزمات، شرقا وغربا، ومن الممكن أن يتمخض عن هذا الهدوء الخادع، مشهد جديد، وربما وجوه جديدة أيضا.

المصدر : الأناضول