أسئلة الطفل الجنسية.. متى وكيف يجيب الوالدان؟

يتهرب بعض الآباء والأمهات من أسئلة الطفل المحرجة حول الأمور الجنسية، ولا يجدوا ردا سوى الضحك أو تغيير دفة الحوار، ثم يكتشفوا مع الوقت أنهم وقعوا في خطأ تربوي فادح.

ويُعرف د. علي مدكور أستاذ تطوير المناهج التعليمية والبرامج التدريبية بجامعة القاهرة في كتابه “التربية الجنسية للأبناء” مفهوم التربية الجنسية بأنه تعليم الولد – الذكر والأنثى- وتوعيته بالتدريج بالاختلافات بين الجنسين، وبالقضايا التي تتعلق بالجنس وترتبط بالغريزة، حتى إذا شب الولد وترعرع تفهم أمور الحياة، وعرف ما يحل وما يحرم.

ويشير إلى أن التربية الجنسية تحمي الأبناء من الأفكار الغريبة على مجتمعنا، وتجعلهم يفهمون ويستوعبون الحقائق والمعلومات الصحيحة المتصلة بالتمايز بين الجنسين، وتشجع الأبناء على طرح الأسئلة، ومصارحة والديهم بما يدور في خلدهم، وتأهلهم لاستقبال حياة البلوغ والشباب.

وبين أن من المؤشرات الإيجابية المشجعة على الحوار والمناقشة وطرح الأسئلة حول الجنس هو العلاقة الزوجية الحميمة. فإذا شعر الطفل بالتوافق بين والديه شعر بالارتياح، وشعر بأن أسرار الحياة الجنسية مطمئنة.

أما إذا شعر الطفل بأن العلاقة الزوجية بين والديه مصدر ضيق ونفور لهما، بدت له شؤون الجنس مقلقة، ما يدفعه إلى عدم الخوض فيها أو السؤال عنها.

وأضاف مدكور أن بعض الآباء والمربين يظنون أن المصارحة في المعرفة الجنسية قد تؤدي إلى إطلاق الغريزة الجنسية من عقالها، لكن العكس هو الصحيح. فغالبا ما تكون المصارحة والمناقشة عاملا بالغ الأهمية في ضبط الغريزة وتوجيهها، والسمو بطاقة الفضول الجنسي وتوظيفها في ميادين المعرفة الأخرى.

التربية الجنسية تسمو بطاقة الفضول الجنسي (غيتي)
من أين جئت؟

ويجد بعض الآباء حرجا في الإجابة عن السؤال: من أين جئت؟. ويجيب مدكور عن هذا السؤال بقوله إن الطفل يحتاج إلى طرح مبسط للقضية، وسهولة في الإجابة، كما أن اكتفاء الأبوين بالتحدث إلى الطفل عن تناسل النباتات أو الحيوانات هو نوع من التهرب، والطفل في هذه المرحلة لا يحتاج إلى تفاصيل تفسيرية عن ولادة الأطفال، أو حياة الراشدين التناسلية، وكل ما يريد أن يعرفه هو أن البذرة الصغيرة الأبوية قد التقت بالبذرة الصغيرة الأمومية في بطن الأم خلال لقاء عاطفي سعيد بين الأب والأم.

نموذج لإجابة مبسطة للطفل عن كيفية قدومهم للحياة من كتاب "التربية الجنسية للأبناء" للدكتور علي مدكور

ويسرد مدكور كيف يمكن أن يعرض الأبوان بشكل تدريجي على الأبناء رؤية مبسطة عن الحياة الجنسية على النحو التالي:

“خلق الله للمرأة جيبا خاصا في بطنها يسمى الرحم، لكي تحمل فيه أطفالها واحدا بعد الآخر. هذا الرحم له ممر صغير يؤدي إلى مبيض في جسم الأم. هذا المبيض يفرز مجموعة من البويضات الصغيرة جدا، عندما تختلط إحداهما ببذرة الحياة التي يعطيها الأب للأم تنمو وتصير طفلا صغيرا جدا. هذا الطفل ينمو تدريجيا في بطن الأم، وكلما كبر انتفخ بطن الأم أكثر فأكثر، وفي هذه الفترة يتغذى الطفل من دم الأم.

وبعد أن يتكمل الطفل ويصبح قادرا على العيش في الحياة الخارجية، يخرج من بطن أمه من خلال الفتحة التي أوجدها الله في جسمها. وهذه العملية هي التي تسمى الولادة. وبعد أن يخرج الطفل ويشم الهواء، تحتضنه أمه في حنان وترضعه من لبنها الذي أنزله الله في صدرها، وهكذا تظل ترضعه من لبنها المغذي لمدة عامين، وحتى يصبح قادرا على أن يأكل ويشرب بنفسه مع أبويه وإخوته”.

ثلاث قصص أنبياء مفسرة

تؤكد مستشار علاقات أسرية فاطمة المهدي أن موضوع التربية الجنسية خطير، وللأسف يتم التعامل معه على أنه محرم وعيب، ويتسبب تأجيل تربية الأبناء جنسيا إلى تفشي الأمراض الأخلاقية في المجتمع، وأبرزها تعرض الأطفال والمراهقين للتحرش وزنا المحارم وتصفح المواقع الإباحية.

وتشير إلى أن القرآن يزخر بآيات تتحدث عن خلق الإنسان من نطفة، والعلاقة بين الزوجين، وهناك ثلاث قصص أنبياء يجب تعليمها للأبناء؛ وهي: قصة سيدنا آدم (عندما عصى الله ظهرت عورته ثم استتر وزوجه بورق الجنة لإخفاء العورة)، قصة سيدنا يوسف (والتي تطرقت إلى الشهوة وجهاد النفس)، وقصة سيدنا لوط (والتي تناولت شيوع الفاحشة).

وأوضحت أن أهم شيء يجب أن يتعلمه الطفل هو “خصوصية جسمه” ثم آداب الاستئذان، لأن هناك ممارسات غريبة جدا في المجتمع تؤدي إلى كوارث تربوية، مثل قيام الأم بتغيير الحفاظ للطفل أمام الضيوف، أو قيام أي أحد بالعائلة بتنظيف جسم الطفل بعد دخوله الحمام نيابة عن الأم، واستحمام الأطفال بشكل جماعي، أو قيام الأم بالاستحمام مع الابن أو الابنة، وعدم وجود خصوصيات في حجرات البيت.

وبينت أن تنشئة الطفل على حرمة جسده منذ الصغر يعلمه أنها مساحة خاصة جدا، ولا ينبغي أن يطلع عليها أحد إلا بحدود، وإهمال تعليم الطفل هذا الأمر يفضي إلى حدوث بعض المشاكل في مرحلة البلوغ والكبر.

وأكدت أنه من الضروري تربية الوازع الديني لدى الأطفال، ومرافقته بعض الوقت أثناء مشاهدة وسائل الإعلام وتصفح الإنترنت ومحاولة فلترة المحتوى الذي يتابعه، مع ضرورة إجراء حوار مع الأبناء حول ما يشاهدونه، والاستماع إليهم بدلا من الاكتفاء بإلقاء المحاضرات عليهم.

يمكن استخدام القصص في شرح بعض المفاهيم الجنسية المبسطة للأطفال حول خلق الإنسان (غيتي)
التربية الجنسية تحمي الطفل 

وبينت الخبيرة التربوية د. سها طبال أن البعض يعتقد أن مفهوم التربية الجنسية مخالف الدين، ولكن أساس التربية الجنسية موجود في القرآن والسنة النبوية، فيقول الله عز وجل في سورة النور: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”.

وأوضحت أن هذا الأمر القرآني يؤكد أن التربية الجنسية تبدأ مبكرا، ولا ترتبط التربية الجنسية بلحظة محددة، ولكن تبدأ منذ ولادة الطفل، بتعليم الخصوصية وآداب الاستئذان، وينبغي تعليم الطفل أنه لا يوجد أسرار على الأم أو الأب، لأنهم قد يتعرضون لإساءة من بيئة الطفل ومحيطه الاجتماعي.

وأكدت اختصاصية علم النفس التربوي الدكتورة فلافيا محمد على ضرورة الإجابة عن أسئلة عن الأمور المتعلقة بالجنس ولكن بضوابط أهمها عدم نهر الطفل عن السؤال، الإجابة وفقا لعمر الطفل، استخدام ألفاظ غير خادشة في الجواب، عدم التوتر أثناء الإجابة، توعية الطفل حول التحرش الجنسي ومقدماته.

اقرأ أيضا:

ماذا تفعل إذا وجدت ابنك يشاهد مواقع إباحية؟

المصدر : الجزيرة مباشر