علاقة حق الكد والسعاية بحق المناصفة بين الزوجين

تحدثنا في المقال السابق عن مفهوم المناصفة في صورته التي نشأ فيها في المجتمعات الغربية، وذكرنا بعض الأسباب التي أدت إلى كثرة الحديث عنه، ومحاولة تقنينه في الشرق الإسلامي.

وفي هذا المقال سنناقش قضية حد الكد والسعاية ومدى ملاءمته لأن يكون دليلا لتقنين مسألة المناصفة من جهة الشرع.

أولًا: في التعريف:

لفظ الكد في اللغة مأخوذ من فعل كَدَّ يَكِدُّ كَدًّا، أي الشدة في العمل وطلب الرزق[1].

فالكد هو الشدة في طلب الرزق وأسباب الحياة.

أما السعاية: فأصلها من فعل سَعَى يَسْعَى سَعْيًا[2]، ومنه قول الله عز وجل: ﴿‌وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعۡيَهُۥ ‌سَوۡفَ ‌يُرَىٰ﴾[3].

فالسعاية هي مصطلح يعبر عن العمل وطلب الكسب.

والمقصود بهما هو ما يبذله الإنسان لتحصيل أسباب الحياة، إيجادًا أو تنمية:

فقولنا: (إيجادًا) ليدخل ما كان معدومًا ووجد بفعل الساعي والكادّ.

وقولنا: (تنمية)، ليدخل ما كان موجودًا بالفعل للإنسان أو لغيره، فيعمل فيه الساعي والكادّ.

والمصطلح بصورته ومعناه، هو مصطلح مغربي فقهًا وتطبيقًا بصورة كبيرة، فلا نكاد نجده في كتب المشارقة، حتى من كتبوا في الفقه المالكي، ولذا فقد يعبر عنه بصيغ متنوعة، منها:

حق الجراية، وحق الشقا، وحق الكد، وحق السعاية، بل إنه يعبر عنه عند بعضهم باللغة الأمازيغية بـ”تامازّالت”، وهي كلمة أمازيغية مشتقة من فعل: أزل بمعنى سعى وجرى[4].

فحق السعاية هو حق شخصي يقوم على أساس مساهمة السعاة بصورة عرفية في إيجاد أو تنمية مال الأسرة، ويترتب عليه استحقاق السعاة جزءًا من الناتج المستفاد، كل على حسب مساهمته.

ثانيا: في المصادر:

أكثر ما ورد عن هذا الحق وتطبيقاته من تفصيل كان في كتب النوازل (الفتاوى) المغربية -خاصة كتب الغماريين والسوسيين- وقد سجلت لنا هذه الكتب احتفاءهم الكبير، واهتمامهم البالغ بمسألة السعاية، حيث عقدوا لها فصولا خاصة، تشمل مساحة واسعة من مؤلفاتهم.

يقول الكاتب محمد العثماني: “فكتب النوازل زاخرة بأحكام السعاية كنوازل البرجي في مبحث الشركة، وأجوبة أبي المهدي عيسى بن عبد الرحمن السكتاني في باب مسائل الميراث وسعاية النساء، والنوازل الجزولية لعبد الله بن إبراهيم الجشتيمي التملي، في باب مسائل الزوجات هل لهن الكسب أو الأجرة في ذمة أزواجهن، وأجوبة السيد محمد بن محمد بن عبد الله بن يعقوب في باب مسائل من الشركة وشبهه، وفتاوى الحكام لأبي الحسن علي بن أحمد العمري التسكدلتي، وأجوبة الشيخ أحمد بن محمد العباسي في باب الأنكحة والسعاية، وتذييل محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الكيكي في باب البيوع وما شاكلها، ونوازل إبراهيم بن علي المرتيني الويداني في الخاتمة، وأجوبة سيدي محمد بن يعقوب السملالي في باب مسائل سعاية الزوجات وغيرهن من السعاة، ومنظومة أبي زيد عبد الرحمن بن عبد الله الجشتيمي في باب المهر والجهاز والسعاية ونوازل العلمي (الجزء الثاني)، والمنح السامية للمهدي الوزاني (الجزء الثاني)، والمعيار الجديد له أيضا (الجزء السابع)، وهناك من ألف فيها خاصة، كعمر بن عبد العزيز الجرسيفي الأرغي، الذي ألف: “رسالة في مسألة السعاية”[5].

فالفقيه أبو مهدي عيسى السكتاني (ت ١٠٦٢هـ) خصها في نوازله بباب سماه: “باب مسائل الميراث والسعاية”.

والفقيه أبو العباس أحمد بن محمد العباسي (ت ١٠٥٢هـ)، كتب: “مسائل الأنكحة والخيار والخلع والطلاق والمفقود والسعاية”.

والفقيه محمد بن محمد بن عبد الله بن يعقوب السملالي أحد علماء الأسرة اليعقوبية كتب: “مسائل سعاية الزوجات وغيرهن من السعاة”، في أجوبته.

والفقيه عبد الله بن إبراهيم التملي (ت ١٠٦٧هـ) عقد لها بابا بعنوان: “مسائل الزوجات هل لهن الكسب أو الأجرة في ذمة أزواجهن؟” في كتابه “أجوبة المتأخرين”.

ومحمد المهدي الوزاني ( ت ١٣٤٢هـ) تناولها في موسوعته “النوازل الجديدة الكبرى”.

ثالثا: في التطبيق:

تأخذ المرأة (الساعية) نصيبًا عادلًا في الأموال المكتسبة أثناء مدة الزواج نتيجة عملها وجهودها في تنمية أموال الأسرة، ويمكنها المطالبة بذلك بعد انتهاء العلاقة الزوجية، بالطلاق أو الوفاة، وحتى أثناء الحياة الزوجية، خاصة حينما تكون المرأة تعرف أن زوجها ميسور الحال، وله القدرة على التوسعة عليها وعلى أبنائها.

يقول قاضي الجماعة بتارودانت[6] علي بن سعيد الهوزالي (ت ١٠٠١هـ) في تعليقه على القضية: “فلا شك أن الزوجة ذات يد وسعاية تشارك زوجها فيما استفاداه مالًا على الوجه المشار إليه.. وجرى العرف بهذه البلاد السوسية كلأها الله تعالى؛ والأحكام تنتقل بانتقال الأعراف…”[7].

رابعًا: في التأصيل:

اختلفت نظرة الفقهاء في التعامل مع مفهوم الكد والسعاية، ونستطيع أن نلخص الاتجاهات في الآتي:

الاتجاه الأول: الاتجاه الرافض لهذا المفهوم تأصيلًا وتطبيقًا، حيث يعتبر هؤلاء أن هذا الحق من قبيل العرف الفاسد، الذي لم يأت به دليل صريح أو مظنون، مع عموم البلوى، حيث إن النساء ما زلن يساعدن أزواجهن على أعمال مثل الزراعة والتجارة والصناعة، منذ العهد الأول، فقد كانت أسماء تساعد الزبير على الزراعة، وقيلة الأنمارية تعمل في التجارة، وقد أرضعت السيدة حليمة السَّعدية النبي الأعظم صلى الله عليه وسلَّم، وعملت أُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في التوليد، وعملت الشفاء بنت عبد الله القُرشيَّة في التعليم أيضًا، ولا بد أنهن كن يساهمن في رعاية البيت وزيادة دخل الأسرة، وحدث هذا في عصر التابعين وغيرهم، ولم يتكلم الفقهاء في هذا الحق، لا من جهة التأصيل ولا من جهة التطبيق.

كما أن حق السعاية يتعارض مع نظام الميراث الإسلامي وحق المتعة في الطلاق؛ إذ يثبت للمرأة حقوقًا متعددة في المال الواحد، فتأخذ حقها في السعاية من ماله، ثم تأخذ نصيبها في الميراث من الباقي، وتأخذ مال متعتها من نصيبه أيضًا في حالة الطلاق، فيتضرر الرجل مرات.

الاتجاه الثاني: الاتجاه القائل بالعمل بهذا الحق، ويستند القائلون بهذا إلى ظواهر عدة نصوص، منها قوله تعالى: ﴿‌وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾[8]، وقوله تعالى: ﴿‌لِلرِّجَالِ ‌نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾[9].

قالوا: إذا كان الله قد أثبت لها حقًّا مضافًا للعقد أو للتمكين ومنع من الجور عليه وهو حق المهر، فكيف بما كان من كدها وسعيها، قال تعالى: ﴿‌وَإِنْ ‌أَرَدْتُمُ ‌اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾[10].

واستدلوا أيضا بقصة منسوبة لقضاء قضاه سيدنا عمر بن الخطاب مفادها أن امرأة تدعى حبيبة بنت زريق عمة عبد الله بن الأرقم، وكانت تعمل نساجة؛ تعمل في الحرير وترقم الثياب والعمائم، وزوجها عامر بن الحارث -وقيل عمر- كان تاجرًا قصارًا، وظل كلا الزوجين يعملان حتى اكتسبا من عمليهما مالًا، فمات زوجها ولم يخلف أولادًا، وترك أقرحة[11] ودورًا وأموالًا وإبلًا على الشياع، فأخذ ورثته من إخوته مفاتيح الخزائن، واقتسموا ذلك، فقامت عليهم حبيبة مدعية سعيها في هذه الأموال مع زوجها، وطالبت بحق كدها وسعيها ضدًّا على أهل زوجها الذين أرادوا أن يستبدوا بالمال تاركين لها نصيبها الشرعي: الربع من زوجها الذي لم يكن له ولد.

وحين رفعت أمر ادعائها إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قضى بينهما بالشركة في هذا المال، فأعطاها نصف جميع المال سعاية، ثم الربع نصيبًا بالإرث.

وكذلك حاول البعض الاستدلال لهذا الحق بعقود فيها معنى الشركة في المال المكتسب كعقود المزارعة والمساقاة والمغارسة والمضاربة (القراض)، وشركة المحاصّة في التطبيق الحديث، وأن الساعي في العقود السابقة يستحق نصيبه بمقابل العمل، أو الاتفاق كما في المحاصّة.

واختلف أهل هذا الاتجاه في تحديد المقدار الذي يتحدد للزوجة على آراء وأقوال:

القول الأول: يحكم للمرأة الساعية أو غيرها بنوع من الشركة؛ إذ تكون شريكًا في المال بنسبة قيمة عملها حسب ما يقرره أهل الخبرة والمعرفة.

فجعل لها الفقيه التملي النصف حيث لا اتفاق سابق، فقال: “الزوجة شريكة الرجل فيما أفاداه مالًا باعتنائهما مدة انضمامهما ومعاونتهما، ولا يستبد الزوج بما كتبه على نفسه من الأشرية، بل هي شريكة له فيها بالاجتهاد، والشركة إذا أطلقت تحمل على التساوي”[12].

وجعل لها الوثيلي الغماري الربع، وزعم أنه مذهب الغماريين فقال: “والحاصل أن عرف البلاد -أي غمارة- هو أن المرأة إذا كانت تخدم في دار زوجها؛ واشترى أصولا بذلك، فإنها تأخذ معه الربع في تلك الأشرية كما ذكره محمد المهدي الوزاني في حاشيته”[13].

القول الثاني: يحكم للمرأة الساعية أو غيرها من السعاة بالأجرة، تأخذها من التركة؛ لأن ذلك أضمن لحقوقها، والفرق أن الأجرة تكون من التركة لا من الزرع، أو النساجة، أو التجارة، وفائدة ذلك أن المنتوج إذا هلك أو تلف أو نحو ذلك فالأجرة ثابتة.

الاتجاه الثالث: يفصّل في المسألة؛ فمرة يحكم للمرأة الساعية أو غيرها بالسعاية، ومرة يحكم لها بالأجرة، ومرة لا يحكم لها بشيء. والشيء المعتبر في هذا التفصيل ليس واحدًا، فهناك من يعتبر في تفصيله رأس المال، وهناك من يفصل باعتبار العرف، وهناك من يفصل باعتبار الشيء الذي سُعِيَ فيه، وهناك من يفصل باعتبار قصد الساعي، فهناك فرق بين من يكد تطوعًا كأن تفعل ذلك صلة للزوج، ومن يكد مشاركة، ومن يكد بمقابل فضل سابق، أو سابقة معروف من الزوج على الأهل، وغير ذلك من الاعتبارات.

ولذلك نجد أن المادة (٤٩) من مدونة الأسرة في المغرب تنص على أنه: “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها.

يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.

يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر.

إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة”.

والحق أن مسألة حق الكد والسعاية قضية لها اعتبارات متعددة؛ منها:

اعتبار أهلية الثبوت من خلال أدلة السماع.

اعتبار أهلية الثبوت من خلال الاعتماد على العرف.

عموم البلوى بسبب اختلاف طبيعة ونمط حياة أكثر الناس.

كثرة المظالم والشكايات بين الأزواج، ولا سيما من جانب المرأة، التي تعمل جنبًا إلى جنب مع الرجل.

أولا: في جانب الثبوت وأدلة السماع:

فإذا نظرنا إلى ما استدل به القائلون بهذا الحق نجد أنه من الأدلة الظنية الدلالة المحتملة، ويصعب أن يثبت بها هذا الحق جبرًا، فقوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾[14] إنما هو في أعمال الثواب والعقاب بدلالة قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ ‌الْجَزَاءَ ‌الْأَوْفَى﴾ [15]، وليس كل ساع في أعمال الدنيا يقع له الجزاء الأوفى.

وقوله تعالى: ﴿‌لِلرِّجَالِ ‌نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾[16]، فهذا حق يثبت الذمة المالية الخاصة، ولا يرتب حقًّا إضافيًّا لأحد عند أحد لقوله تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تَتَمَنَّوْا ‌مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[17]، فالرجل الفقير لا يتعدى على ذمة زوجته الغنية، والمرأة الفقيرة ليس لها في مال زوجها إلا ما أجازه الشرع من النفقة بالمعروف.

وأما القصة المشار إليها التي تخص امرأة تدعى حبيبة بنت زريق، فهذه قصة يصعب العمل بمقتضاها لعدم ذكرها في معظم كتب التراجم والفقه، وانفراد المغاربة بها أمر عجيب، كما أننا لا نكاد نجد صحابيًّا بهذا الاسم وهذه الوظيفة، وقضاء عمر بن الخطاب وفتاواه مجموعة ومحفوظة وليس فيها مثل هذا القضاء.

وردت القصة في كتب مالكية متأخرة، وزعم البعض أن ابن أبي زمنين (ت ٣٢٤هـ) ذكرها في كتابه “منتخب الأحكام”، منسوبة لابن حبيب (ت ٢٣٨هـ) في “الواضحة”. وبالرجوع إلى منتخب ابن أبي زمنين، لا نجد ذكرًا للقصة، أما كتاب “الواضحة” لابن حبيب الأندلسي، فالمطبوع منه أجزاء صغيرة في أبواب الصلاة والحج.

ومن ثم فلا تطمئن النفس إلى إثبات حق مالي بمثل هذه القصة.

وأما القياس على أنواع من العقود المستدل بها، فهو أيضًا غير وارد، وإن كان فيه اعتبار المعنى، لأن كل العقود لها تعريفات وأركان وشروط، قد لا تتوافق مع حق الكد والسعاية، وإن أشبهته معنى.

ثانيا: في جانب الاستدلال بالعرف المحلي:

لن ندخل في تفاصيل الاستدلال بالعرف في إثبات الأحكام فهي معروفة ومؤصلة في كتب الأصول، ولها تطبيقات كثيرة في كتب الفروع والنوازل، ولكن من المهم أن نعرف أن الانتقال من عرف محلي مرتبط ببيئة معينة إلى بيئة أو بيئات أوسع وفيها مغايرة، فيه مجازفة شرعية.

فمثلًا ما كان عرفًا بين أهل صناعة معينة، لا يمكن أن نسحبه على غيرهم، إلا بدليل إضافي غير دليل العرف ذاته؛ لأنه لما كان عرفًا لهم، دل على اقتصاره عليهم دون غيرهم وإلا صار حكمًا. ومثال ذلك من أَجَّر أجيرًا بأجرة يومه؛ فيكون المرجع في اليوم لعرف العمل المؤجر له، فعرف أهل الزراعة في تحديد اليوم غير عرف أهل التجارة والصناعة وعرف أهل الأعمال المكتبية.

وإذا نظرنا إلى الفقهاء المغاربة الذين قالوا بهذا الحق نجد أن أكثرهم قصر هذا الحق على أهل البادية دون الحواضر لعموم البلوى هناك، ولاختلاف طبيعة الحياة، واختلاف نوع الأعمال المطلوبة. فتعميم هذا العرف الذي فارق بيئته في غير ما قام له، فيه أيضا مجازفة شرعية.

ثالثا: عموم البلوى واختلاف أنماط حياة البشر:

اختلاف أنماط حياة البشر ولا سيما أهل الإسلام منهم، لا بد أن يكون له اعتبار في الحكم على القضايا الاجتهادية، ومما لا شك فيه أن بروز المرأة للعمل ومزاحمتها الرجال في أكثر الأعمال، مع اختلاط الذمم المالية، لا بد أن يكون له تأثير في الملكية، فميزان العدل واحد من مقاصد الشريعة الكلية، وليس من العدل قيام الغرم، وغياب الغنم من ذات الشيء، بل القاعدة هي الغنم بالغرم.

رابعًا: كثرة المظالم والشكايات بين الأزواج:

كثرة المظالم والشكايات بين الأزواج، تدعو حقًّا إلى الاجتهاد في الأمر وتقنينه بصورة تعكس مقاصد الشريعة الكلية وقواعدها العامة، وتعتبر اختلاف الزمان والمكان وأحوال الناس، فلا يصح إغفال الأمر مع قيام الداعي لتقنينه رفعًا للمظالم، والقاعدة أنه لا ضرر ولا ضرار.

والذي يتوجه إليه النظر أنه على الرغم من قصور أدلة السماع المباشرة عن إيجاد الحكم بهذا الحق، فإن اعتبارات مقاصد الشريعة العامة، واختلاف أعراف الناس وعادتهم، وذهاب مفهوم التكافل الاجتماعي بصورته العائلية والمجتمعية، يدعونا إلى تطبيق حق الكد والسعاية، وتقنينه بصورة تراعي الحقوق العامة والخاصة، وأن نتوسع فيه ليشمل الأخوات غير المتزوجات، والبنات غير المتزوجات أيضًا، ولكن بالضوابط الآتية:

١- أن يرتبط القدر المرصود بقدر الكد والسعاية، فلا يكون نصيبًا مطلقًا قلت السعاية أو كثرت.

٢- أن يقتصر على الجزء المسعي فيه، فلا يتعداه إلى غيره مما اكتسبه الزوج بانفراده.

٣- ألا ينسحب على المال السابق للزواج، ولا الحاصل بغير العمل كالميراث والهبات.

٤- أن يراعى فيه حقوق الساعين جميعًا، لا حق الزوجة فقط، ولا يجور حق سعيها على الحقوق الأصيلة مثل الميراث.

٥- أن يقوم الدليل القطعي على إثباته، وليس مطلق الدعوى.

انتهى هذا المقال ونتبعه بمقال عن رأي الشرع في مسألة المناصفة.

———————————

([1]) لسان العرب (٣/ ٣٧٧) مادة كدّ.

([2]) مقاييس اللغة لابن فارس (٥/ ١٢٦)، لسان العرب (١٤/ ٣٧٦).

([3]) النجم: 39-40.

([4]) نظام الكد والسعاية للحسين الملكي (ص ١٨).

([5]) مجلة المحجة، العدد ٢٥٣.

([6]) مدينة مغربية تنتمي لإقليم تارودانت بجهة سوس ماسة.

([7]) فقه النوازل في سوس (ص ٤١٨).

([8]) النجم: 39.

([9]) النساء: 32.

([10]) النساء: 20.

([11]) هي المزارع التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر.

([12]) فقه النوازل في سوس (ص ٤١٨).

([13]) فتاوى تتحدى الإهمال (١/١٦٢).

([14]) النجم: 39.

([15]) النجم: 41.

([16]) النساء: 32.

([17]) النساء: 32.