تركيا الثابتة بمواقفها.. خاصة تجاه العالم العربي

بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع ونرى مساعي عديدة لإعادة تحسين العلاقات الدبلوماسية السياسية بين تركيا وعدد من الدول العربية وخاصة الإمارات والسعودية، وبطبيعة الحال فإن هذه المساعي إذا وصلت إلى هدفها المنشود فستعود بالفائدة على جميع الأطراف.

كانت تركيا تنادي دائمًا -حتى في ذروة الخلافات- بضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع بلدان العالم العربي وخاصة دول الخليج، لأن المصالح المشتركة بينها وبين العالم العربي أكبر بكثير من أي خلافات أو نزاعات.

نحو عقد من الزمن شهدنا خلاله موجة من الخلافات بين تركيا ودول عدة في المنطقة، ورغم ذلك فقد كانت تركيا ثابتة بمواقفها الإيجابية، وكان دورها دائمًا في موقع الدفاع عن نفسها وعن مصالحها وعن حلفائها دون أن تبادر بأي هجوم سياسي أو إعلامي أو عسكري ضد أي طرف في المنطقة، وهذا ما أعطاها مصداقية بقولها، إنها مع التعاون لا الخلافات.

منطقة هادئة

سياسة الدفاع التركية أعطت أنقرة أيضًا مصداقية برغبتها في منطقة هادئة يسودها التعاون بين دولها، وإلا كانت بادرت بالهجوم وهي قادرة في كل النواحي، لكنها لم تفعل واكتفت بالدفاع، وقد نجح دفاعها في نهاية المطاف بحفظ مصالحها ومصالح حلفائها، واستدارة الآخرين نحوها لإعادة تحسين العلاقات.

هذه الاستدارة قابلتها تركيا بثبات في مواقفها دون أي تغيير، فهي أصلًا لم تكن هجومية أو عدائية معهم، بل كانت تدافع عن نفسها وعن حلفائها فقط لا غير، واليوم بتنا أمام مرحلة جديدة تسعى فيها كل الأطراف لإعادة ترتيب أوراقها والتصالح بينها، والغاية الكبرى هي غاية اقتصادية في ظل التدهور الاقتصادي العالمي لأسباب كثيرة منها تداعيات فيروس كورونا.

لم تدعم تنظيمات

لم تبادر تركيا بدعم أي تنظيمات، ولم تبادر بفرض حصار اقتصادي على أحد، ولم تبادر بالعمل على تشويه صورة أحد عبر ماكينات إعلامية مدفوعة، ولم تبادر بمنع مواطنيها من زيارة أي دولة في المنطقة، ولم تبادر بأي حملات إلكترونية معادية لأي طرف، بل بادرت لصد كل ما يستهدفها ويستهدف حلفاءها، فعملت على تعزيز التحالفات مع الشرعيات في المنطقة ومع الشعوب المحتاجة للمساعدة، وكل ذلك وفق القوانين الدولية، ولو لم تكن تركيا تتعامل مع التطورات والقضايا وفق القوانين الدولية لتم نهشها من القريب قبل البعيد في مؤسسات الأمم المتحدة، ولكن هذا لم يحصل بفضل الحكمة والذكاء والهدوء التركي في التعامل مع الملفات الساخنة.

كل من بادر بالعمل ضد تركيا ها هو اليوم يحاول إعادة التعاون معها، من دول عربية أو اليونان حتى الكيان الإسرائيلي، لأن تركيا أثبتت قوتها وثباتها على مواقفها الإيجابية غير العدائية. وبطبيعة الحال فإن أي تحسين للعلاقات سينعكس إيجابًا على الجميع، وخاصة تركيا التي تعرضت لشيء من الضرر خلال الفترة الماضية، ضرر إعلامي ومالي واقتصادي وأمني، لكنه ضرر لم يصل إلى مستوى قدرته على إسقاط تركيا.

سنرى خلال المرحلة المقبلة مواقف تركية أكثر إيجابية تجاه المنطقة، وهكذا كانت تركيا أصلًا، وبالتالي فإن التعويل على الآخرين في إثبات إيجابيتهم تجاه تركيا، فالمرحلة المقبلة ستكون صعبة اقتصاديًّا ليس على المنطقة فحسب، بل على العالم كله، والتعاون بين الجيران والأخوة والأشقاء واجب سياسي واقتصادي.