كيف أقرأ؟!

بين صفحات إحدى روايات الروائي الكويتي سعود السنعوسي كنت غارقة فيها حتى الشعور بخدر يُلغي معه الحياة من حولي، فإذا بصوت فضولي يقاطعني ويخرجني من بين السطور وانغماسي الشديد بالشخصيات، ليتساءل بتعجب: كيف أقرأ؟!

كيف أقرأ في يوم مزدحم يعج بمواعيد مهمة وواجبات متعددة لا تُبقي لنفسي إلا سويعات أجلس فيها على مهل كي أريح عقلي المشتت بين هذه المهمة وتلك؟

لكنّ كثيرين ممن حولي يجهلون أن القراءة جزء أساسي في يومي، بل وأولى أولوياتي، والمهمة الأهم لأنجزها في خضم الأعمال اليومية المكدّسة.

ولأن أغلب أمة اقرأ لا تقرأ، يثيرها القارئ وتستغرب إقباله على القراءة بنهم يضاهي فيه نهمهم تجاه مختلف منصات التواصل الاجتماعي واستغراقهم وولعهم بها.

لن أبجّل مفهوم القراءة مثل العديد من الكتّاب، وأحث عليها كما في ملايين المقالات التي تُعنى بهذا الشأن (الثقافة) أو أدعو شعوبنا العربية الغارقة في عوالم التيه -التي تغفو كلما لمحت صفحات من كتاب- إلى أن تقرأ.

الأفكار العميقة

أكتب هذا المقال لكي أدعوكم إلى التوقف عن استنزاف شغفنا ومحبتنا -أنا وأقراني المهتمين بالقراءة- لأرفف الكتب، أو استصغار اهتماماتنا المتعلقة بالكتب والمؤلفات الأدبية التي بقدرتها العجيبة تنقلنا إلى أنحاء العالم الفسيح في بضع دقائق مع شخصيات تبدو أكثر واقعية من محيطنا الواسع الضيق.

فلا شيء يستفز العقل ويحرك أنهار أفكاره أكثر من القراءة، ولذلك تجد القارئ يعيش حيوات عديدة يقابل من خلالها الأقلام التي خُطت سطورها بعناية لتتراقص على بياض الصفحات، وتستشعر الأفكار العميقة والأحاسيس الجياشة التي تولد من العدم في هذه الصفحات، ولتبقى شاهدًا على طقوس ميلاد الكلمة وتأثيرها على العقول العطشى، لتستقي من التجارب الإنسانية والاجتماعية التي بدورها تلوّن خيالات القارئ وتعبث بأحلامه لكي يصبح شخصًا آخر أكبر من عمره وأكثر خبرة، يصبح لديه نشاط ذهني عقلاني يفسر ويحلل ويقرأ الآخرين بمنطق الحس والخبرة القرائية.

يقول الكاتب غيلبرتهايت: “الكتب ليست أكوامًا من الورق الميت، إنها عقول تعيش على الأرفف”.

بالفعل، هي حيّة تُرزق تنتشل القارئ من غياهب الجهل والغفلة الى أنوار المعرفة، التي بدورها تحرر العقول المتحجرة من قيودها، وتبرهن على قدرة الأوراق على إنعاش النفس البشرية التوّاقة إلى ممارسة الحياة بطريقة مغايرة تحرر النفس وتوقظ الأمل فيها.