من أحد الأشخاص غير المتزنين إلى جميع المتزنين!

 

أعزائي المتزنون، معذرة الكذب خيبة، الخانعون المداهنون المتزنون، تحية كالتحية التي يتلاقها المسجونون حديثو العهد بالسجون ظلمٍ واقتراء أينما كنتم، يكتب إليكم أحد الأشخاص الموصومين بعدم الاتزان من قبل حضراتكم، أعلم السؤال البديهي الذي سيطرأ على أذهان حضراتكم المتشابهة، كيف عرفت أنكم نعتموني بعدم الاتزان؟ أليس هذا هو السؤال؟

وكيف تحرك حضراتكم وأنتم المتورطون الرئيسيون في وضع هذه المفردات حيز النفاذ

إذا كان هذا هو السؤال فليس الأمر هذا يعنيكم في شيء، لأني لا أحتاج إلى وشاية حتى أعرف ما تجبن نفوسكم المداهنة أن تقولوه في وجهي، وأعي جيداً أن وصمي بالشخص غير المتزن يلحق بكل من يلعب دور المرآة التي ترون فيها حقيقة أفعالكم المكتسية بمسيئات تواري وراءها قذارتها، لست أحمق حتى أعجز عن استيعاب كلمات أصفى أصفيائي، حين قال ليّ أن إطلاق مثل هذه التشنيعات عليّ أمر حتمي في مرحلة التخلص من عباءة مجتمعكم، وأن انتظار الود من أفراد مجتمع ندأب على تجريسهم كلما تسنى لنا الفرصة سذاجة خرقاء، فإطلاق هذه التشنيعات رد فعل طبيعي ومنطقي من قبل حضراتكم، لذلك فإن مثل هذا الأمر من المفترض أن لا يكون ذا بال، هنا قد يطرأ سؤال بديهي آخر على أذهان حضراتكم الجامدة، طالما أني توصلت لمثل هذه النتيجة لماذا إذاً هذه (الدخلة الشمال)؟، فسبب حديثي بهذه الصورة هو استكمالي لممارسة هويتي المفضلة في لعب دور المرآة لحضراتكم، والإشارة إلى ما رأيته ودفعني إلى لعب هذا الدور في مجتمعكم، فإليكم ما رأيته بدون لف أو دوران.

رأيت في مجتمعكم القسوة والكذب والمداهنة وغير ذلك من المفردات المرادفة التي تحرك أي ساكن إلا حضراتكم، وكيف تحرك حضراتكم وأنتم المتورطون الرئيسيون في وضع هذه المفردات حيز النفاذ، رأيت في مجتمعكم التنمر في أفظع صوره، رأيت كيف يتنمر معلمون على تلاميذهم، وزملاء على زملائهم، ورأيت كيف تقومون بتثبيط عزائم أطفال في مقتبل العمل لمجرد أنهم يفكرون بصورة تختلف عن باقي أقرانهم، وكيف تنمطونهم، وتشربونهم أفكار رجعية متعلقة بمستقبلهم تجعلهم ينزلقون في خانات فقدان الذات ويكونون نسخا مكررة منكم، ومن الأجيال السابقة لهم، رأيتكم كيف تحصرون معايير النجاح في مجتمعكم في أشياء بعينها وكيف توصمون كل عارض عنها بالفشل، رأيت وسمعت عن شباب في مقتبل العمر قرروا اعتزال الحياة، وآخرين سقطوا في هاوية القنوط بفعل تبكيتكم عندما لم يوفقوا في السير في الدروب الموضوعة مسبقاً من حضراتكم، ورأيت كيف تفرغون العلم من مضمونه وكيف تُكّرهون أبناءكم في كلمة العلم، رأيت كيف يمكن أن يعرف الانكسار طريقه إلى أطفال في مقتبل العمر، رأيت ذلك في فعل أحد المعلمين عندما أتى لطفلة بأخيها الذي يصغرها بعدة سنوات لكي يحل مسألة رياضية أمام جميع أقرانها تعثرت هي في حلها.

في مجتمعكم رأيت كيف جعلتم من المال أداة لكسب احترام وود الآخرين

أعرف أن هناك ابتسامة ساخرة سَتُرسم على وجوهكم باعتبار أن مثل هذه الأفعال من قبيل سفاسف الأمور التي لا ينبغي علينا الوقوف عندها كثيراً، وهذا أمر آخر يُبين مدى ضحالة تفكيركم، لأن المرحلة التي نحن بصدد الحديث عنها يتكون خلالها وجدان أجيال بأكملها فكيف يا من بليتم بالعنجهية والجهل والمكابرة أن تكون مثل هذه الأمور من قبيل التوافه فأهميتها بدون مبالغة قد تفوق أهمية وجودكم في هذه الحياة، لأنها تتعلق بأجيال ينبغي ألا تذوق من نفس الكأس الذي ذاق منه الأجيال السابقة لهم، أجيال ينبغي أن يفسح لأبنائها المجال للتعبير عن طموحاتهم المشروعة بدون رقيب أو حسيب.

في مجتمعكم رأيت كيف جعلتم من المال أداة لكسب احترام وود الآخرين، وكيف جعلتم من مهن ذات طبيعة إنسانية أداة للوجاهة الاجتماعية مُسقطين مضامينها النبيلة في طي النسيان، رأيت أيضاً كيف جعلتم من السلطة أداة للظفر بتملق وتودد الآخرين، وكيف تهرولون ناحية شخص ما لأنه في موضع قوة وكيف تنفرون من ذات الشخص لأنه أضحى في موضع ضعف، رأيت كيف تجلدون و تتحينون الفرصة لاستضعاف بعضكم البعض، وكيف تستخدمون مميزاتكم الوظيفية للاستقواء بها على الآخرين لاسيما المعدمين، ولبناء علاقات اجتماعية مع ذوي النفوذ، وللإتيان بأبنائكم محاولة لتوريثهم وظائفكم، أو الظفر لهم بأكبر قدر ممكن من المميزات المادية والمعنوية حتى ولو كان هذا يعني ضرب أقرانهم على بطونهم، رأيت في أفعالكم هذه كيف تختزلون الدين في شعائره، دون أن تستقيم أفعالكم مع مبادئه السامية، وكيف تغيرون مسميات ممارساتكم المزرية، فالمحسوبية هي وخدمة الأهل والجيران سيان، والمداهنة هي والنضج صنوان، رأيت في مجتمعكم كيف تديرون وجوهكم عن إحقاق الحق وتؤثرون السلامة والمشي بجانب الحائط،  رأيت بأم عيني غير ذلك من الممارسات التي يضيق صدري عند تذكرها لمدى قبحها.

تركنا لكم ولأزواجكم ولأبنائكم وكل من على شاكلتكم الاتزان كله

فبكل أسف ليس هذا كل ما في الأمر؛ والله العظيم أن كل السطور السابقة لا تنطوي إلا على ما أسعفتني الذاكرة لتسطيره، وكل اتهام فيها لحضراتكم مُدعم بعشرات الأمثلة التي كنت شاهد عيان على بعضها وطرف أصيل في بعضها الآخر، وإني بالفعل سئمت من تكرار ما ورد في هذه السطور التي لم أتوان للحظة عن الإفصاح عن ما تتضمنه في وجوهكم، وعيني في عيونكم، وهو الأمر الذي ترتب عليه وصمي بعدم الاتزان، فإن كان الاتزان في معجمكم يعني محاكاتكم في أفعالكم الدنيئة، فأدام الله عليّ نعمة عدم الاتزان، وتركنا لكم ولأزواجكم ولأبنائكم وكل من على شاكلتكم الاتزان كله.