عندما نعجز عن التعبير عن جراحك يا فلسطين!

راشيل كوري

ربما تترك كلماتي هذه عليكِ انطباعاً غريباً عني، وربما يستبد بكِ الغضب للحظات وترجعين عجزي عن التعبير عن جراحك إلى افتقادي الموهبة اللازمة أو إلى خمولي الذي أفقدني إياها، وربما تفهمين أن كلماتي هذه ليست إلا تسجيل لحضوري في سجل المُتضامنين معكِ في الحرب الأخيرة عليكِ، ولكن في نهاية الأمر أنا متأكد من أنك ستتفهمين كلماتي هذه، ويقيني هذا هو الذي شجعني على الكتابة إليكِ، ليس فقط لأني في حاجة ماسة للحديث معكِ، أو لكي أقول لكِ بأن الله وحده هو الذي يعلم بأنكِ أنتِ وشعبك دائماً في القلب وعلى البال والخاطر حتى في الأوقات التي لا تكوني فيها تحت القصف، أو لكي أتهكم على العالم الذي لا ينتفض لكِ إلا بعد أن تسيل دماء شعبك، وإنما لأشكو لكِ قلة حيلتي التي لم تؤلمني قبل ذلك مثلما تؤلمني الآن، خاصة بعد أن تغيرت نظرتي تجاه قضيتك واتجاه معاناة المُعدمين في كل مكان في العالم بصورة جذرية.

لا أخفي عليكِ أن هناك وقتا قد جاء عليّ كنت أرى فيه أن الكتابة وحدها كفيلة للتضامن معكِ، فكنت وقتها لا أفوت مناسبة إلا وأكتب فيها عنكِ، ولو على أقل تقدير (بوست) على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، إما لكي أجدد فيه تضامني معكِ ومع أهلك، أو لكي أهجو فيه المطبعين العرب، ولكن الذي كنت أفعله خلال السنوات الماضية، لاحظت مؤخراً إني بتُ أنظر إليه وإلى من يفعله بسخرية، ولم يقف الأمر إلى حد النظرة الصامتة الساخرة بل أمتد إلى استخدامي عبارة في قصيدة (جيفارا  مات) للشاعر الساخر أحمد فؤاد نجم مع تغيير طفيف فيها للسخرية من المتضامنين معكِ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فعدلت من عبارة “يا بتوع نضال آخر زمن ف العوامات” لكي تتماشى مع العصر فأصبحت” يا بتوع نضال آخر زمن ع البروفيلات”، ولكن سرعان ما تراجعت واعتذرت وندمت على سخريتي هذه حين علمت من صديق ليّ من أن التضامن معكِ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وإطلاق (الهاشتاجات) المُتضامنة معكِ من كل حدب وصوب يُفرح أحباءنا من أبناء شعبك، بالإضافة إلى أنه يُشكل (وفقاً لروايته) إزعاجاً للمُحتل الإسرائيلي، وما يثبت أنه يُشكل إزعاجاً له أن هناك العديد من الحسابات المُتضامنة معكِ تم حظرها من قِبل المتواطئين معه.

“إذا لم تتضامن مع القضية الفلسطينية والمُعدمين في هذا العالم بدمك وروحك لا فائدة منك ولا من تضامنك”

وبالرغم من أن ما قاله صديقي جعلني أكف عن السخرية، إلا أنه لم يغير شيئاً في عقيدتي الجديدة التي تشكلت بعد أن حاولت مؤخراً مراراً أن أكتب عن جراحك دون أن أنجح في التعبير عنها، ليس لأنني لا أستطيع أن أكتب كلمات تصف الواقع المُريع الذي يعيش فيه أهلك جديرة بأن تستعطف أي شخص يقرأها وتجعله ينخرط في نوبة طويلة من البكاء العنيف، ولكن لأن كل الكلمات التي من الممكن أن أكتبها ليست كافية للتضامن معكِ أو للتعبير عن جراحك أو عن آلام شعبك، لذلك فبتُ أؤمن أشد الإيمان أني إذا أردت التضامن معكِ يتعين عليّ عدم الاكتفاء بالحديث عنكِ والبحث أولاً عن السُبل التي أستطيع أن أتضامن من خلالها تضامناً أوسع وأصدق مع قضيتك.

ربما – كما ستلاحظين- تكون عقيدتي الجديدة هذه مصبوغة بإحدى أفكار الشهيد باسل الأعرج التي عبرت عنها عبارته التي تقول “إذا بدك تكون مثقفا، بدك تكون مثقفا مشتبكا. إذا ما بدك تشتبك لا منك ولا من ثقافتك”، وربما يكون إيماني بها نتيجة لتأثري بقصة فتاة أمريكية أسمها (راشيل كوري) لم تكتفِ بالتضامن مع أهلك بالكلام فقط، وكان نتيجة ذلك هو دهسها بجرافة إسرائيلية، وهي تحاول أن تحول دون هدم بيوتهم، ولكن الأكيد أنها ولدت من رحم رغبة جارفة داخلي للتضامن معكِ. رغبة بلغت مبلغ لم يعد الحديث فيه عنكِ وعن معاناة وحقوق شعبك المُغتصبة عبر المواقع الصحفية أو مواقع التواصل الاجتماعي يُشفي غليلها. رغبة تقول ليّ في كل وقت وحين “إذا لم تتضامن مع القضية الفلسطينية والمُعدمين في هذا العالم بدمك وروحك لا فائدة منك ولا من تضامنك.”