الفكاهة المغربية بين تراجع الإبداع واجترار الأفكار

المسرح الفكاهي في المغرب

من خلال تتبع مسار الفكاهة في المغرب نجد أنها أخذت مسارا شائكا لكي توطد العلاقة مع المتلقي. هذا المتلقي الذي لا يرضى بكل المواضيع التي تعرض أمامه، فهو مواطن مغربي يسهل أن تجعل ابتسامته العريضة تظهر في ظل ما يعانيه أحيانا من عثرات الحياة وتقلبات الزمن، ونحن على بعد أسابيع قليلة من شهر رمضان المبارك سنجد تهافت التهافت على تكرار السيناريوهات وإعادة نفس الحركات والقفشات، من أجل رفع عدد المشاهدات وكثرة المشاركات من دون الأخذ بعين الاعتبار احترام أذواق المشاهدين والمتتبعين.

والفكاهة ليست مجرد كلمات تقال عبثا دون أن ننتظر نتيجة منها، بل العكس فالناظر إلى الأدب العربي سيجد أن مضمون الفكاهة يشكل عنصرا أساسيا في الأدب، بحيث استطاعت هذه الفكاهة أن تفرض نفسها كعامل قوة داخل الكتابات العربية المشهورة التي التزم أصحابها بالجدة والعمل وعلى سبيل الذكر لا الحصر نجد (عيون الأخبار، لابن قتيبة)، و(الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيان التوحيدي)، و(البخلاء، للجاحظ)، و(الظراف والمتماجنون، لابن الجوزي).

لقد كان العمل الفكاهي في المغرب يتسم بالندية وتقديم الأعمال المتميزة من خلال سيناريوهات كبيرة هدفها الأول رسم ابتسامة موزعة على مختلف الطبقات الاجتماعية، ولأننا كشعب مغربي نقدر العمل الفكاهي المثالي كتابة وعرضا رغم اختلافاتنا في عملية تقويم الضحك والفكاهة، لا نزال نتغنى بما شاهدناه من عروض قديمة، نكرر بعض كلماتهم بيننا، نضحك على رؤية صورهم، نتذكر زمنا جميلا من الكلام الماتع فيكفي أن نذكر مثلا أسماء الثنائي مصطفى الدسوكين ومصطفى الزعري وعبد الرحيم التونسي (عبد الرؤوف)، أو الحسين بنياز باز، أو لمسرحيات (حسي مسي) و (شرح ملح) لمسرح الحي بأعلامه الكبار عبد الإله عاجل، محمد الخياري، نور الدين بكر، حسن فلان، عبد الخالق فهيد، محمد خاي وغيرهم ممن تحولوا فيما بعد إلى الأعمال التلفزيونية بصفة فردية أو ثنائية كانوا ويقدمون ما في جعبتهم لكي يحافظوا زمنهم الجميل في العرض.

سنجد هروب الفئات المجتمعية إلى ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي من عروض وبرامج فكاهية أخذت السخرية من المواضيع الاجتماعية النصيب الأكبر

لكن مع الأسف هذا السحر من الإبداع سوف يبدأ بالتراجع في ظل ميوعة ما يتم تقديمه من عروض أسهم فيها مع الأسف حتى هؤلاء، فسقطنا في اجترار الماضي دون أن نضيف عليه الجديد فكان الحصول على نسبة المشاهدة هو الهم الشاغل لهم، لأن الناظر لهذا المحتوى سيدرك حتما غياب أي سيناريو مؤطر لأعمالهم مجرد ارتجال أي ينتهجوا سياسة (كوكوط مينوت)، اللهم بعض الأعمال التي تظل محسوبة على طرف الأصابع كاجتهاد حسن الفد في أعماله الفكاهية التي تترك جانبا إيجابيا في عرضها شكلا ومضمونا، إذ أعده ذلك الفنان الذي يأخذ وقتا في كتابة أعماله الفنية كأنه يقوم بإعداد بحث سيقوم بمناقشته.

وعلى غرار هذا، سنجد هروب الفئات المجتمعية إلى ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي من عروض وبرامج فكاهية أخذت السخرية من المواضيع الاجتماعية النصيب الأكبر، فازدهرت معها بعض الأسماء الهامشية لكي تسجل اسمها في خانة العروض الفكاهية بعيدا عن الانتقائية المزيفة في العروض التلفزية مثل باسو ويسار اللذين يقدمان نموذجا في البحث والتنقيب وعدم السقوط في التكرار والاجترار الذي سئمنا منه جملة وتفصيلا، كما أن الجمهور الذي يلجأ إلى هذا العمل من أجل المشاهدة فقط دون تقييم للعمل فهو في حد ذاته يسهم في هذه الميوعة من العرض وفي هذا الصدد يقول تشالنور “إن جميع الجماهير تتصف بالغباء، ولكن الكوميدي السيئ ‏هو من يتيح لهم معرفة ذلك”، ويصرّ على أنه “إذا كان من الممكن قيادتهم، فإن ذلك فقط ‏في الاتجاه الذي يرغبون بالذهاب إليه”.

فإذا كنا نلجأ في حياتنا اليومية إلى مشاهدة الأعمال الفكاهية من أجل الضحك فغرضنا الأساس هو تلك التسلية التي نريدها لعقولنا حتى نرتاح من سلسلة الأفكار الروتينية القاتلة، ولكي نخفف من استبدادها حتى لا نقع في سجن عبوديتها، وباختصار أن تضحك هو أن تعيش بعُمق. ‏ ‎