اقض على المرض لا على المرضى

العالم بأسره يزدحم بالاختلافات من شتى الأنواع. منها الاختلافات الطبيعية من مختلف المواسم والأجواء. إذا كان هناك ظلمة الليل حتما سيأتي بعدها ضوء الشمس. ليس من الممكن العيش حتى وجود العالم بعدم وجود الاختلافات. هذا أمر إيجابي واعتراف به واجب على كل ذوي العقول والقلوب. هل يستقر جمال زهور البساتين بغير ألوانها المتنوعة؟ وهل يرى الإنسان والحيوانات جمالها واستمتاع بها بعدم هذه الألوان والأشكال التي تجلب إليها العيون والقلوب والنفوس. فحقا الاختلافات لها قوة ساحرة وحكمة وجودها لم تدخل إلى فهم الجميع.
يمكن القول: الاختلاف حرية كل فرد من أفراد المجتمع يملكها الجميع استخدامها بشكل مشيئتهم. لكن الحدود والآداب لها تأثير واضح لا يمكن التفرغ عنها في الاختلاف. المراد بها الاختلاف مع الحفظ والاعتبار على القيم والشيم والود والحب بين القلوب. من الضروري أن يوضع الاختلاف مقاما لا يعض البغض والحقد والشتم والعداوة. هناك أمثلة مبينة عن آداب الاختلاف من حياة الصحابة والتابعين والأئمة رضي الله عنهم أجمعين. وهم التزموا الحب والأخوة بينهم رغم أنهم تفرقوا في عدة الآراء والمواضيع. وهم حملوا قول الله سبحانه:
وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

فقال الإمام الشافعي: يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة

الإسلام يباح فيه الاجتهاد وحدوث المذاهب والعقائد بناء على ذلك. كما أشير من قبل هناك نماذج معجبة تبين الاختلافات بعدم انهيار القيم الإنسانية من حياة الصحابة وغيرهم. منهم ما وقع بين أبوبكر الصديق وبين عمر بن الخطاب وما حدث بين التابعين والأئمة بعدهم.. وقد اختلفوا في كثير من الأمور الاجتهادية. لكن بقوا جميعا على الهدى ما دام الاختلاف لم ينجم عن هوى، أو شهوة أو رغبة في الشقاق.
والاختلاف بينهم لم يمنعهم من أن يصلي بعضهم خلف بعض. كما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأئمة آخرون يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وغيرهم ولو لم يلتزموا بقراءة البسملة سرا ولا جهرا. وصلى “الرشيد” إماما وقد احتجم فصلى الإمام أبو يوسف خلفه ولم يعد الصلاة مع أن الحجامة عنده تنقض الوضوء.
ومن صفحات حياة الإمام الشافعي نجد من علامات آداب الاختلاف.
يونس بن عبد الأعلى” كان أحد طلاب اﻹمام الشافعي ..
اختلف مع أستاذه الإمام ” الشافعي” في مسألة، فقام “يونس” غاضبًا.. وترك الدرس.. وذهب إلى بيته ..
فلما أقبل الليل… سمع “يونس” صوت طرق على باب منزله ..
فقال يونس: من بالباب ..؟ .
قال الطارق: محمد بن إدريس فقال يونس: ففكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي ..
قال: فلما فتحت الباب، فوجئت به ..
فقال الإمام الشافعي: يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة..!!! .
يا يونس، لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات.. فأحيانا “كسب القلوب” أولى من “كسب المواقف”…
يا يونس، لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها.. فربما تحتاجها للعودة يوما ما.
إكراه “الخطأ” دائمًا… ولكن لا تكره “المُخطئ”.
وأبغض بكل قلبك “المعصية”… لكن سامح وارحم “العاصي”…                                                يا يونس، انتقد “القول”… لكن احترم “القائل”… فإن مهمتنا هي أن نقضي على “المرض”… لا على “المرضى.