لماذا سعدت كهندي لعناق زعيمين عربيين؟!

لماذا فرحت كهندي لهذه الصورة؟

ذكر لي أحد الأصدقاء المقيمين في الإمارات العربية المتحدة، أنه صادف حارسا مصريا عند باب المسجد، يبكي وفي يده هاتف جوال، فقرب من ذلك الشيخ الذي قد بلغ من عمره عتيا، وظن أنه بكى لأنه ربما يكون عليه دين حال ولم يستطع الوفاء به، أو ربما أصيب أحد من أصدقائه أو أقربائه بذلك الوباء المنتشر “كوفيد”. فسأله عن سبب البكاء؟، فلم يجبه الشيخ بالكلام، بل أراه تلك الصورة التي ابكت ذلك المسن عند باب المصلى في هاتفه الجوال؛ فهي صورة عناق أمير دولة قطر وولي العهد السعودي-حفظهما الله ورعاهما-. وكان هذا العناق تعبيراً عن حل جميع المشكلات السياسية التي كانت بين الدولتين الشقيقتين.

كدت أن أبكي فرحا كما فعل ذلك المصري، وكلما أرى في الجرائد أخبارا عن انتهاء الحصار، كان قلبي ينبض بهجة وسرورا

ترى لماذا يبكي مسن مصري عندما يعانق أميرا قطريا أميرا سعوديا؟ وأنا مسلم هندي أعيش في ولاية كيرالا. أنا لا يوجد لدي أي علاقة شخصية مع دولة قطر او السعودية. ولا يوجد هناك ولو قطري واحد في قائمة أصدقائي أو معارفي. ولكنني سررت وكدت أن أبكي فرحا كما فعل ذلك المصري، وكلما أرى في الجرائد أخبارا عن انتهاء الحصار، كان قلبي ينبض بهجة وسرورا، وحمدت الله لأنه أبقاني لأرى هذه الأيام الجميلة أيضا. ثم تذكرت.. لماذا يفرح مسلم هندي للصلح الذي يقع بين دولتين عربيتين، وليس له أي علاقة معهما وما هو الشيء الذي أبكي ذلك المسن الكبير فرحا؟؟ ربما تقول بأنها حماسة العروبة التي لا تزال تجري في دم كل مصري شريف.. بل أي علاقة بين ملايين المسلمين من الهند وباكستان بهذه العروبة؟!! ولماذا كلهم يفرحون وتارة يبكون فرحا عندما يعانق الملك السعودي الأمير القطري؟؟ فالأمر ليس العروبة أو الوطنية. بل الذي جمعهم، هو الأخوة الإيمانية.

أجل يا اخوتي.. الأخوة الإيمانية أكبر مما ظننا…وأجمل مما خيل إلينا.. وأسمى ما أودعته هذه الشريعة الخالدة قعر قلوبنا.

المسلم الهندي، يعيش اليوم بين موجات التطرف والإرهاب، وهو يجبر اليوم بإثبات انتمائه إلى الهند، حينما يوجد هناك الآلاف من الشهداء الذين استشهدوا لأجل استقلال بلادهم. ورغم كل هذه المشاكل التي توجد بين يديه، يسره ويكاد يبكي فرحا عندما تعانق بلدين مسلمين، لأن قلبه مفطور على هذا الأخوة الإيمانية. وهناك يوجد الكثير من الآثار النبوية تحثه على هذا الحب الإيماني. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه) رواه البخاري. قال ابن بطال في شرح الحديث: “تعاون المؤمنين بعضهم بعضاً في أمور الدنيا والآخرة مندوب إليه بهذا الحديث، وذلك من مكارم الأخلاق”. وقال ابن حجر: “المعاونة في أمور الآخرة، وكذا في الأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها”. فهذه الأخوة، هي نعمة غالية ومنحة الهية، لو انفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم. وقال الله عز وجل في سورة الحجرات” انما المؤمنون اخوة “. وقال سبحانه:” الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين”.

فالويل كل الويل لمن دعا هذه الأمة الى الطائفية والعنصرية

فبا لجملة، هذه رسالة إلى كل مسلم ومسلمة، وإلى كل من قد تولى أمرهم من العلماء والقادة والسياسيين: حاولوا أن لا تجرحوا قلوب الملايين بأقوالكم أو أفعالكم.. فاليوم، نحن أحوج ما نكون إلى الاتحاد وجمع كلمة الأمة. فهذه الأمة-لا محالة- يوجد لديها جميع مقومات النهضة والتقدم. كلنا نتبع ربا واحدا، ونستقبل قبلة واحدة، ونتبع نبيا واحدا، هو خير من مشى على وجه الأرض، عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام. ثم بعد هذا الاتحاد والوئام، علينا أن ننصر إخواننا الضعفاء في جميع أنحاء العالم، الذين يعيشون في أرض الله معذبين مشردين. فالمسلم المخلص عندما يجلس على مائدته الشهية، وهو سيتذكر أخاه من روهينغيا، فيتقطع قلبه الما وحزنا، وكيف يرتاح بالا حينما يرى كل يوم طفلا سوريا أو فلسطينيا يهاجر بلده قهرا وظلما؟!

فالويل كل الويل لمن دعا هذه الأمة إلى الطائفية والعنصرية، وهو يريد أن يشغل الأمة بعضها ببعض. ويبيع لنا كل يوم أسلحة ليقتل بعضنا بعضا.. فتذكروا يا أحبابي.. كيف سننظر إلى وجه رسول الله يوم القيامة؟؟ وماذا لو رأى حال أمته بهذا الضعف والكآبة؟؟! وقد شغلتنا أغراض في دين الله دون جوهره. رحم الله الشاعر القائل

“أغاية الدين أن تحفوا شواربكم/  يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”

فهذا هو أساس المشاكل والمتاعب، إننا اكتفينا من الدين بالحواشي والأشكال، وفقدنا الجوهر والروح لهذه الشريعة السماوية. فهذه الأمة، لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها من التمسك بالدين القويم، والاسترشاد بمنهجه المستقيم. فحينما كنا متحدين ومتمسكين بأذيال الدين، كنا نحكم الشرق والغرب ولا نبالي،. أما سمعتم ما قال خليفة المسلمين “هارون الرشيد” لسحابة مثقلة بالمطر:”يا سماء أمطري حيث شئت، فإن خراجك لي”. فكلما قلت، وما أردت أن أقول هو “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”. وفقنا الله للخير والسداد-آمين