خَسِئْتِ غوغل.. فلسطين باقية

ها نحن نرى الجيل الفلسطيني الثالث و الذين ولد أغلبه في عهد أوسلو وبعده لم ينس فلسطين وقضيتها ومدنها؛ لم ينس حق العودة و احتفظوا بمفاتيح بيوت أجدادهم و أسلافهم.

قصدها إبراهيم الخليل و لوط و أقاما فيها، عاش فيها يعقوب وأنجب فيها أولاده، و خرج منها يوسف ليحكم مصر، فر إليها موسى، داوود و سليمان توجا ملكين عليها، ولد فيها عيسى، وأُسرى بمحمد إليها، و صلى إماما بالمرسلين في أقصاها ثم عرج به منها، إسحق و زكريا و يحيى و شعيب و هارون، عمران و امرأته و مريم بنت عمران، أرض عرفت بأنها مهد الأنبياء و موطن للرسالات، و أرض للرباط.

لم تعهد الأرض منطقة لها علاقة بالرسل و الأنبياء مثلها، لكل نبي ورسول قصة فيها، أو علاقة تربطه بها، علت مكانتها، و رفعت شانها بين باقي بلدان الأرض و جعلتها مقدسة للديانات السماوية الثلاث كيف لا وهي مهدها.

كرمها الله عز وجل دون غيرها من بقاع الأرض ليبعث فيها معظم الرسل و الأنبياء، ذكرها في كتابه بالأرض المباركة و الأرض المقدسة و الأرض التي باركنا فيها، و ذكرت في القرآن الكريم في أكثر من موضع و بأكثر من صفة.

ذكرها سيد ولد آدم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الكثير من أحاديثه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذا، وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأقْصَى}، و عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: {قُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلَ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قالَ: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ المَسْجِدُ الأقْصَى قُلتُ: كَمْ كانَ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أيْنَما أدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فإنَّ الفَضْلَ فِيهِ} انها فلسطين بوابة السماء، و أرض المحشر و المنشر.

خريطة فلسطين المستقبلية وفقا لما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب

 

كل ما سبق ذكره، جعل من فلسطين مطمعا للدول العظمي، أضف إلى ذلك موقعها الاستراتيجي، اعتدال مناخها، خصوبة تربتها، و قوة و جلد و بأس أهلها حيث وصفهم الله عز و جل على لسان بني إسرائيل : {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} المائدة(22).

فتحها المسلمون على يد عمرو بن العاص، حيث بدأ من مدينة بيسان في الشمال، متوجها جنوبا خاض خلالها العديد من المعارك توجها بفتح بيت المقدس، بعد حصار أربعة شهور مما اضطر زعيمها البطريرك صفرونيوس بأن يعلن استسلامه و قبول دفع الجزية مشترطا تسليم مفاتيحها لخليفة المسلمين آنذاك الفاروق عمر.

في العصر الحديث مرت فلسطين بحملة ممنهجة لتحريف تاريخها و طمس جغرافيتها  كانت البداية في عام 1948، حيث لم تكتف إسرائيل باحتلال الأرض، بل قامت بالعديد من المجازر بحق أبنائها، و هجرت أهلها، محت مدنا و قرى بأكملها عن الأرض.

وغيرت أسماء مدنها و شوارعها لأسماء يهودية و عبرية ناهيك عن أعمال الحفريات و نهب الآثار التي جرت و تجري ليومنا هذا.

و منذ ذلك اليوم و ليومنا هذا لم توفر إسرائيل جهدا لطمس عروبة و تاريخ فلسطين، و لإنكار أي حق او علاقة للمسلمين أو العرب فيها، و إثبات حق اليهود فقط فيها ضمن حملة ممنهجة و مخطط لها.

إسرائيل لم تترك موطنا أو مؤسسة أو هيئة في العالم إلا و خاطبتها لتروج لروايتها بل و ابتزتهم و ضغطت عليهم لتصديقها.

و مع أن التاريخ لا يكذب؛ لكن إسرائيل نجحت في تصدير تاريخ مزيف تقنع فيه العالم بحقها في أرض فلسطين، مما جعلها تستحوذ على جغرافيا الأرض المباركة ، تعيث فيها فسادا و تهلك الحرث و النسل.

نفوذ إسرائيل في العالم و قوة الآلة الإعلامية بيديها جعلت  أكاذيبها ذرائع و حقائق، ذرائع تستغلها لتبرير ممارساتها اللاإنسانية و اللأخلاقية و تغولها و تفردها بالأراضي المحتلة و الشعب الفلسطيني من ناحية، و حقائق تستغلها إسرائيل لتستدر بها تعاطف دول و شعوب العالم من ناحية أخرى.

بالمقابل و بالنظر للمشهد الفلسطيني و العربي و الإسلامي نجد تشرذما وانقساما وعدم وضوح رؤية، لمواجهة الرواية الإسرائيلية و دحض ادعاءاتها و أكاذيبها..

مما جعلها (الرواية الإسرائيلية) أقوى وأكثر تأثيرا ، حتى أننا أصبحنا نرى و نسمع و نشاهد مؤخرا من هم من أبناء جلدتتا و يتبنون تلك الرواية بل و يدعمونها و يروجون لها.

مرت فلسطين بحملة ممنهجة لتحريف تاريخها و طمس جغرافيتها  منذ 1948،  لم تكتفي إسرائيل باحتلال الأرض، بل قامت بالعديد من المجازر بحق أبنائها،وغيرت أسماء مدنها و شوارعها لأسماء يهودية و عبرية ناهيك عن أعمال الحفريات و نهب الآثار التي جرت و تجري ليومنا هذا.

مؤخرا قامت شركتا غوغل و أبل الأمريكيتان بحذف اسم فلسطين من الخرائط، مبررة ذلك بأنها أراض متنازع عليها، و مما اعتبره الكثيرون بأنه تمهيد و إعلان لخطة الضم المزمعة..

وذلك امتدادا للسياسة الأمريكية الممنهجة ضد الفلسطينيين، و التي وصلت ذروتها باعتلاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سدة الحكم، حيث اعترف بيهودية الدولة، و بالقدس عاصمة لها و نقل سفارته لها، بل وسيادة إسرائيل على الجولان السورية.

قرار غوغل وأبل؛  أحدث ضجة واسعة في العالمين العربي و الإسلامي، و كذلك لدى المناصرين للقضية الفلسطينية و المهتمين بالشأن الفلسطيني في العالم، مستنكرين القرار و متحدين له، مما دفع ببعض الناشطين منهم إلى إنشاء وسوم على منصات التواصل الاجتماعي مناهضة للقرار ومنددة به..

حيث طالب البعض منهم بمقاطعة الشركتين، بينما ذهب آخرون إلى تذكير العالم بالفلسطينيين و معاناتهم، ونشر خرائط لفلسطين التاريخية مؤكدين أنها مرسومة في قلوبهم.

كذلك على الجانب الرسمي و السياسي صرح وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي : بأننا نبحث في الإجراء القانوني للرد على الشركتين مشيرا إلى أنه سيحدد الجهة التي ستتوجه لها السلطة الفلسطينية.

أما حركة حماس فاعتبرت هذه الخطوة انحيازا لرؤية الاحتلال الصهيوني وإنكارا للحقائق، فيما اعتبرته حركة الجهاد الإسلامي تعديا على الحق الفلسطيني وانحيازا صريحا الاحتلال.

فلسطين التي كانت مسرحا لأهم الأحداث التاريخية على مر العصور، تعاني اليوم أشرس الحملات التي تستهدف تصفية قضيتها وهضم حقوق أبنائها و طمس تاريخها العريق و محوها من جغرافيا المنطقة و العالم.

لكن هذا لن يحدث أبدا، بالرغم من كل ما دار و يدور حول القضية الفلسطينية، غولدا مائير قالت إن الكبار يموتون و الصغار ينسون، وها نحن نرى الجيل الفلسطيني الثالث و الذين ولد أغلبه في عهد أوسلو وبعده لم ينس فلسطين وقضيتها ومدنها؛ لم ينس حق العودة و احتفظوا بمفاتيح بيوت أجدادهم و أسلافهم التي أُخرجوا منها قبل سبعين عاما تقريبا حافظين للعهد، و مسلحين بالأمل و منتظرين يوما تشرق به شمس حريتهم و يقيموا دولتهم على أراضيهم و عاصمتها القدس الشريف.

و ليخرج شبل فلسطيني أو زهرة فلسطينية لتقول: أحسبتم أن رفع اسمها من خرائطكم سينسينا مقدساتنا و أراضينا و ديارنا و حقوقنا؟!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها