الدكتاتور الجديد!!

فيروس كورونا المستجد يهيمن على الساحة الدولية
فيروس كورونا المستجد يهيمن على الساحة الدولية

يبدو أن  فيروس كورونا وأبناء جلدته هم من أصدق الحكام الذين تعاقبوا على البشرية على مر العصور وأكثرهم سعيا للحفاظ على صحة وسلامة ضحاياهم.
كلمة مسموعة وتوجيهات تؤخذ بعين الاعتبار وأوامر لا تكرر مرتين، يخضعون لها دون تساؤل بل عن قناعة ورضا ودون عصا بوليس أو تهديد بالسجن؛ ببساطة لأن الثمن هو حياتك.
لن يسرك ذلك؛  لكن الواضح أننا قد تعودنا على العيش معصوبي الأنف والفم؛  وقد نعصب أعيننا إذا ما طلب منا كورونا ذلك.
 الكمامات تحررت من المستشفيات وبعض المصانع… من نطاقها الضيق والمحدود لتتجول بكل حرية في جيوبنا وحقائبنا .
وتصبح نجم إطلالتنا اليومية التي من دونها لن يقبلنا محل بيع الخضار؛  ولا سائق التاكسي ولا المدرسة ولا العمل.
 في بدايت انتشاره كانت الكمامة،؛ وهي التي تأتي من كلمة تكميم، نوعا من أنواع الحد من الحرية والقيد..

ذ4ثفيروس كورونا المستجد لا يزال يمثِّل تحديًا للحكومات

ورغم أن القانون كان عالميا؛ إلا أننا نحن الشعوب العربية التي عاشت سنوات ما بعد الربيع العربي ولا زالت تجهل المفهوم الحقيقي للحرية كان ينبع رفضنا لها لما يوحي به وجودها على أفواهنا من قمع لحرية التعبير والمعارضة.
 فشككنا في جدواها ورحنا نبحث بين سطور منظمة الصحة العالمية،  وحسابات الأطباء الافتراضية عما يلمح حتى لعدم إلزاميتها لنتخلى منها ونرميها كما رمينا أغلال ما قبل الـ2011.
 لكن هذا الدكتاتور الصغير اللطيف نجح في إخضاعنا، وها نحن ذا نشتري كمامة براند ونغيير ألوانها وأشكالها بما يتناسب واطلالتنا اليومية.
عندما كنت صغيرا كانت أمي تحرمني من الإفراط في تناول السكريات؛  فأبكي وأصرخ.. ثم آكلها .

هذا الدكتاتور الصغير اللطيف قد نجح في إخضاعنا، وها نحن ذا نشتري كمامة براند ونغيير ألوانها وأشكالها بما يتناسب واطلالتنا اليومية.

وكان النظام يضغط على خالي ليتخلى عن دعمه لحزب معارض فيكابر ويختبئ ويواصل ولاءه سرا.. وكان الطبيب يمنع عمتي من تناول الزيتون والمعجنات لأن ضغطها مرتفع جدا فتناقش وتعترض وربما تخالف أوامره..
في كل ما سبق كان الثمن الحياة أيضا، فلماذا نسارع نحن في التخلي عن أهم حقوقنا قبل أن يطلب فيروس كورونا ذلك رسميا؟
مجتمعات تهرع لحظر قبل أوانه وتهب دولها الحق في إلزامها بالبقاء في المنزل وعدم مغادرته وتعطيل مصالحها الاقتصادية والاجتماعية بل وتستنكر تأخرها في فرض ذلك..
كأنهم يقولون لها “آمري وإحنا ننفذ”… دون اعتراض ولا مقاومة؛  بينما يقدم الشباب أنفسهم فداءا لثورة أو انتفاضة..
رافضين أوامر عدم النزول إلى الشارع،  والتظاهر مقبلين على الموت بصدر رحب..
فكيف يخافون منه الآن، وهو الأكثر رحمة.. فرصاصة الحاكم الظالم تخرب الجسم؛ وتطلق زخات  قد تطمس ملامح المطالب بحقه.
 أما أساليب الموت الأخرى فهي تعذيب وتنكيل وتخريب ليس أقل ضرارا من الرصاصة؛ بينما يأتي حكم كورونا خفيف الظل؛ قليل الأثر في بدايته حتى إنك لا تكاد تكتشفه..
إلا ويبدأ بالتصعيد فيباغتك بموت مفاجئ قد يطرق بابك في اللحظة نفسها التي يؤكد فيها الأطباء أنك سليم..
فلماذا نرضخ لحكم كورونا صاحب الميتة الرحيمة ونتمرد على حكام قتلهم أشد سادية وتنكيلا؟
ليس نسيجنا الاجتماعي الواسع الذي يربط بيننا وبين أناس يشاركوننا صفة المواطنة فقط ؛هو الذي تفكك.!!
ولا الأضيق منه الذي يربطنا بأناس من نفس بلدتنا فرض علينا أن نتعامل معهم في الإدارات أو المدارس أو المستشفيات..
ولا أواصر الصداقة ولا الروابط العائلية فحسب؛ بل تفكك حتى نسيجنا الأسري الضيق والمقتصر على أقارب الدرجة الأولى…

لماذا نرضخ لحكم فيروس كورونا صاحب الميتة الرحيمة ونتمرد على حكام قتلهم أشد سادية وتنكيلا؟

الأهل الذين ما عادوا قادرين على مشاركتنا نفس طاولة الطعام ولا نفس الأدوات ولا حتى المشاعر.. ابن حرم من حضن أمه وأب افتقد قبلة ابنته؛  وأخوات اشتاقوا لمسامرة تجمعهم على لعبة الورق البسيطة..
هكذا وصلت أحكام كورونا المجحفة حد التحكم في طريقة عيشنا داخل منازلنا، ومع ذلك مازلنا نطيعها وننتظر أحكامها القادمة لنقول سمعا وطاعة بقلب مطمئن.

مفارقة هذا العصر أن جلادنا الجديد أكثر قسوة وتجبرا؛  ورغم ذلك نبدو نحن أكثر إذعانا وطاعة.. والأغرب أننا نراقب بعضنا بعضا ونساعد حاكمنا على تطبيق قوانينه بوسائل التواصل والإذاعات وقنوات التلفزيون  والحملات التوعوية.. ذات الأدوات التي كنا نستخدمها منابر لنقول للشعب لا ترضخ للاستبداد.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها