الأخلاق الليبرالية.. عرض ثم نقض!!

التدريبات الرياضية تحسن الحالة النفسية للفرد

لكن دعنا من كل هذا ولنسأل ماهي الأخلاق التي تنتج عن هذا المذهب الأخلاق التي تكون خيرة من وجهة نظر النفعية هي كل الأشياء التي أجمعت الإنسانية على أنها أقبح الرذائل.

دأب كثير من علماء العقيدة الإسلامية على تقسيم قوة العقل إلى قسمين عملي ونظري؛ القوة الأولى يقصد بها تلك الأوامر التي تحض الإنسان على فعل الأشياء الجميلة وتلك النواهي التي تحذر من فعل الأشياء القبيحة هذه الأوامر والنواهي هي ما يطلق عليها اسم الأخلاق والغاية منها هو الخير والثانية تعنى بكل العلوم والمفاهيم التجريدية والغاية منها هو الحقيقة
ولا يخفى على مطالع للفكر الإسلامي الخلاف الذى دار بين علماء العقيدة وعلماء أصول الفقه من جهة و فلاسفة الإسلام والمعتزلة من جهة أخرى، حول مصدر قيمة الأخلاق، هل هذه الأفعال الجميلة من إحسان للغير وقول الصدق والحفاظ على العهود حسنة، لأن الله أمر بها أو أن الله أمر بها لأنها حسنة؟

فهل الإرادة الإلهية تخلق القيمة وهي التي تجعل الجميل جميلا والحسن حسنا أم هي ترشد للأفعال الجميلة وهي جميلة في ذاتها.
هذا بخصوص من يؤمن بالله وباليوم الأخير،وأن البعث حق وبالجنة والنار ولكن ماذا عن تلك المذاهب التي لا تؤمن بالله ولا بالبعث ولا بالجنة ولا بالنار أليس لها نظريات أخلاقية خاصة بها؟
في الحقيقة هي الأخرى لها نظريتها عن الأخلاق ومن أشهر هذه المذاهب المذهب الذي يعرف بالنفعية و الذي له جذور قديمة في بلاد الاغريق والذي ظهر للوجود على يد الفيلسوف المادي ابيقور واشتهر على يد فيلسوف مادي أخر هو الإنجليزي جيرمي بنثام.
فكرة المذهب النفعي كما صاغها جيرمي بنثام،  بسيطة للغاية فهي تقول بأن جميع البشر يخضعون السيادة إلى اللذة والألم ؛ و كل الناس يبحثون عن السيد الأول ويفرون من السيد الثاني، فلهذا الخير هو كل شيء يسبب المتعة أو يزيد منها والشر هو كل شيء يسبب الألم أو يزيد منه فإذا كانت المتعة أو المنفعة أكثر من الألم في أي عمل فهو خير،  وإذا كان العكس فهو شر ويختصر المذهب في قول المبدأ الأعظم هو أكبر قدر من المتعة لأكثر عدد من الناس.

فكرة المذهب النفعي كما صاغها جيرمي بنثام،  بسيطة للغاية فهي تقول بأن جميع البشر يخضعون السيادة إلى اللذة والألم ؛ و كل الناس يبحثون عن السيد الأول ويفرون من السيد الثاني

لكن المذهب رفض اعتبار أنه مذهب وضيع مقارنة بالمذاهب الأخلاقية الأخرى ورفض لأنه يجعل حياة الإنسان لا فرق بينها وحياة الحيوان، فحتى الخنازير تبحث عن اللذة وتفر من الألم هذا غير تطبيقه الذي فيها قسوة فهو يجرم التضحية، وهو يقترح اعتقال المتسولين لأنهم يسببون ألم الاشمئزاز للنفوس القوية وألم الشفقة للنفوس الرقيقة استمر هذا الرفض النفعي حتى مجيئ كتاب النفعية للتلميذ وابن صديقه جون ستيوارت ميل.
الذي قام بالتفريق بين اللذات السامية التي تكون سببا للسعادة وهي الخاصة بالإنسان ومنها لذة الفكر والجمال واللذات التي تسبب الرضى، وهي عامة بين الإنسان والحيوان منها اللذة الجنسية واللذة الناتجة عن الأكل اللذيذ .
أما كيف نفصل بين اللذات السامية واللذات الوضيعة، فإنه يقترح بأنه إذا وجدت لذتان قام بتجريبهما أشخاص فيما أن أشخاصا أخرين لم يقوموا بتجريب سوى اللذة الأولى فإن الأشخاص الذين قاموا بتجريب اللذتين، هم من لهم الحق في الحكم و اللذة التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات هي اللذة الأفضل.
وحجة هذا الرجل شهيرة فإنه لا أحد يكون في منزلة أعلى ويريد أن يكون في منزلة أدنى، ولا أحد يكون عالما ويحب أن يكون جاهلا ،وأن كان الجاهل له رأي أخر فإنه ليس له علم بكل جوانب المسألة وهذا هو الذي يجعله يعتقد هذا فإنه من الأفضل أن يكون سقراط حزينا(حكيم حزين) على أن يكون أحمق سعيدا والذي يجعل الناس تختار هذا الخيار هو شعورهم بالكرامة.

هل الإرادة الإلهية تخلق القيمة وهي التي تجعل الجميل جميلا والحسن حسنا أم هي ترشد للأفعال الجميلة وهي جميلة في ذاتها؟.

أما أن يكون كثرة العدد برهانا على أفضلية شيء على أخر فهذا كلام خطأ ولا يصح وهذه مغالطة تعرف باسم مغالطة الالتجاء للسلطة وجون ستيوارت  ميل نفسه في كتاب عن الحرية قال بأن الرأي الذي يعتنقه كثير من الناس لا يعني إن هذه الكثرة  برهان على صدقه والرأي الذي يعتنقه فرد واحد أو قلة من الناس ليس دليلا على بطلانه فإن البرهان الذي يقدمه التلميذ لإنقاذ مذهب الأستاذ ليس برهانا فيلزم من هذا المذهب أنه لا فرق بين حياة الإنسان وحياة القردة و الخنازير وهذا شيء منكر للغاية
هذا فضلا عن أن هذا خروج على أصل المذهب فإن الأصل في هذا المذهب وهو أن الخير هو اللذة و الوسائل التي تقرب منها  والشر هو الألم والوسائل التي تقرب منه هذا مقياس، وكثرة العدد مقياس أخر.

لكن ماذا عن ذلك الشعور بالكرامة الذي يتكلم عنه جون ستيوارت ميل والذي يجعل من العالم يرفض أن يكون جاهلا ولو كان الجاهل أكثر سعادة ويجعل الإنسان الحزين يرفض أن يكون خنزيرا سعيدا أليس هذا خروجا عن مذهب النفعية أليس هذا مقياسا ثالثا غير الأول الذي هو النفعية وغير المقياس الثاني الذي هو كثرة العدد.
بعد كل هذا إذا قمنا بتطبيق هذا المبدأ فإن اللازم هو السخف المطلق  وسيكون الشذوذ الجنسي هو اللذة الأرقى وهو أفضل من العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة لأنه في غالب الأمر أن الشاذ قد قام بتجربة كلا الحالتين الفاعلة والمنفعلة السالبة والموجبة لكن الرجل الطبيعي قام بتجريب علاقة واحدة وهي الفاعلة والموجبة فالشاذ هو الذي سيفصل في المسألة وهذا شيء منكر.
لكن دعنا من كل هذا ولنسأل ماهي الأخلاق التي تنتج عن هذا المذهب. الأخلاق التي تكون خيرة من وجهة نظر النفعية هي كل الأشياء التي أجمعت الإنسانية على أنها أقبح الرذائل، منها الخيانة الزوجية فإنه إذا غادر الزوج للعمل وقالت  المرأة للعشيق هيت لك فإنه يكون كل منهما حصل على المتعة وفي الجانب الأخر لم يحدث أي ألم يذكر لأن المغدور لا يعلم بالفاجعة فهذا فعل حسن من وجهة نظر النفعية وهو شيء قبيح من وجهة نظر الأخلاق الكريمة.
السرقة هي الأخرى ستكون وفقا لهذا المذهب عملا خيرا وشريفا فلو قام عامل بسرقة من متجر صاحبه فإنه يكون عند العامل فائدة ولا يكون هناك ألم عند صاحب المتجر لأنه لا يعلم بالسرقة المذكورة فهذا فعل فيه اللذة من جهة ولا ألم من جهة أخرى فعلى أصل هذا المذهب الوضيع يكون هذا فعلا حسنا وهذا السارق رجلا محترما
وبالنسبة لمذهب النفعية فإن الشذوذ والسحاق واللواط هي أشياء حسنة لأنها تسبب اللذة لأصحابها ولا تسبب ألما لأحد لكن ماذا يقول أصحاب هذا المذهب عن معاشرة الحيوانات جنسيا فهذا هو الأخر شيء حسن أليس كذلك هذا فعل خير هو الأخر أيضا فإنه يسبب اللذة للمعنيين بالأمر ولا يلحق ضررا بإنسان ولا ينفع جون ستيوارت ميل الاعتراض بأنه غير جائز لأنه بغير رضى الطرف الأخر فإن ذبح الحيوانات وأكل لحومها لا يكون برضاها وهو جائز عند القوم أما لو قال النفعي هذا جائز  فإن الفطرة الإنسانية ستقول لعنة الله على الظالمين.

من الحماقة أن تجعل من الشهوات والرغبات مقياسا للخير والشر فكون المخدرات تجعلني سعيدا فهذا ليس دليلا على صلاحها

انطلاقا من مذهب النفعية من الممكن أن يصبح قاتل الأبرياء رجلا فاضلا وفعلا الحجة التي قدمتها النازية لحرقها خمسة عشر ألفا من المرضى و المعاقين في هضار كانت حجة نفعية فإن هؤلاء الذين تم إحراقهم في الفرن البشري في عهد هتلر كانوا يستهلكون بدون قدرة على العمل فإذا قمنا بإعدامهم حرقا نكون قد وفرنا المأكل والمشرب وزدنا من رفاهية المجتمع قم بجمع الفوائد واطرح منها الخسائر سوف تجد أن هتلر كان رجلا محترما
من الحماقة أن تجعل من الشهوات والرغبات مقياسا للخير والشر فكون المخدرات تجعلني سعيدا فهذا ليس دليلا على صلاحها هذا بخلاف أن تكون سعيدا أو راضيا غير أن تكون رجلا فاضلا قد يكون القاتل المأجور راضيا لكن من المستحيل أن يكون فاضلا  أضف إلى هذا سوء فهم النفعية للأخلاق فإن الغرض الإساسي منها هو إحلال السلام في المجتمع جعل حيوان أرعن إنسانا كريما لهذا تجد أغلب المفاهيم الأخلاقية مرتبطة بالآخر مثل الصدق والأمانة والإحسان الكرم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها