الإسلام السياسي التركي من السجن إلى السلطة!

على مدى 17 عاما في السلطة، غير أردوغان وحزبه العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية وجه تركيا الحديثة

الحديث عن الإسلام السياسي في تركيا لابد لنا بالحديث عن نجم الدين أربكان، الذي ولد في مدينة سينوب التركية في 29 نوفمبر عام 1926، والتحق بكلية الهندسة.

نشأت الدولة التركية الحديثة على نسق جديد مخالف لإرثها الديني والثقافي والتاريخي، فبعد قيام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية وإنشاء الجمهورية، التي أُسست على المبادئ العلمانية، فأصبحت الدولة تسيطر على الدين وأخضعت المؤسسات الدينية لها.

كما تم حصر الدين في دوائر الممارسة الشخصية للأتراك، فقد سعى أتاتورك إلى القطيعة مع الماضي العثماني وتغريب المجتمع، فتم تغيير اللباس الوطني إلى اللباس الغربي، وحلت الأبجدية اللاتينية بدلًا من العربية، وجُعل الأذان باللغة التركية، وتم علمنة النظام التعليمي في البلاد، واستخدمت القوة والبطش ضد كل من يعارض تلك الإجراءات، لكن هذه الإجراءات ظلت محصورة بشكل كبير في المراكز الحضرية للبلاد بينما ظل الريف منعزلًا عما يحدث.

ظهر ضعف المشروع الكمالي وعدم رسوخه في وجدان فئة كبيرة من المجتمع التركي عقب وفاة أتاتورك،  بفوز “الحزب الديمقراطي” الذي كان يرأسه عدنان مندريس بالانتخابات عام 1950، وهو حزب مخالف لمفاهيم الدولة الكمالية، ففك القيود التي كانت على المجتمع.

وأعاد الشعائر والمؤسسات الدينية، وفك القيود التي فرضها الكماليون على الأكراد، لكن تلك السياسات لم ترق للجيش الذي يسيطر عليه العلمانيون فقاموا بانقلاب عام 1960 وأُعدم بعدها عدنان مندريس، لكن تلك الفترة ومابها من انفتاح وحريات جعلت الاسلاميين ينشطون بشكل كبير وكانت تلك المرحلة هي التمهيد لإنشاء حزب “النظام الوطني” لاحقًا.

عند الحديث عن الإسلام السياسي في تركيا لابد لنا بالحديث عن نجم الدين أربكان، الذي ولد في مدينة سينوب التركية في 29 نوفمبر عام 1926، والتحق بكلية الهندسة الميكانيكية بجامعة إسطنبول التقنية عام 1948، ثم عُين معيدًا في نفس الكلية، ثم أُرسل في بعثة إلى ألمانيا عام 1951، ونال شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات عام 1953، وحصل على درجة أستاذ مساعد في كلية الهندسة في إسطنبول عام 1956.

ثم ترقى إلى درجة البروفسير، ولعب دورًا هامًا في التقدم الصناعي التركي، حيث أشرف على إنشاء مصانع المحرك الفضي التى بدأت في إنتاج محركات الديزل عام 1969، فغطت حاجات تركيا ومازالت تصدر الفائض، وقد تولى الأمانة العامة لاتحاد التجارة والصناعة والبورصة التركية عام 1967.

الزعيم التركي نجم الدين أربكان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان

 

بدأ أربكان مشواره السياسي بخوض الانتخابات النيابية عام 1969 كمرشح مستقل عن مدينة قونية، بعد رفض رئيس حزب العدالة وضعه في قوائم الحزب الانتخابية لتوجهاته الإسلامية، وتمكن أربكان بالفوز منفردًا بمقعد في البرلمان بنتيجة كبيرة على منافسيه.

في عام 1970 أنشأ أربكان حزب “النظام الوطني” بتحالف بين الطريقة النقشبندية الصوفية التي ينتمي إليها أربكان والحركة النورسية، ويعتبر هذا الحزب أول تنظيم سياسي ذو مرجعية دينية في تركيا، لكن تم حل الحزب سريعًا بعد تسعة أشهر فقط من تأسيسه بقرار قضائي.

فقام أربكان بإنشاء حزب “السلامة الوطني” عام 1972 ليشارك في الانتخابات العامة ويفوز ب50 مقعدا في البرلمان ليشارك في حكومة ائتلافية مع حزب “الشعب الجمهوري” عام 1974، ليتولى أربكان نائب رئيس الوزراء و”بولند أجاويد” رئاسة الحكومة، واستطاع أربكان في هذه الفترة إقناع الجيش للتدخل في قبرص لحماية القبارصة الأتراك من محاولة انقلاب عسكري في الجزيرة بدعم يوناني.

كما قدم مشروع قرار للبرلمان بتجريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وساهم في تطوير العلاقات مع العالم العربي، وأظهر مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية ومعادية لإسرائيل، كما نجح في حجب الثقة عن وزير الخارجية حينها خير الدين أركمان لسياسته المؤيدة لإسرائيل، كل هذه الأمور زادت من شعبية الإسلاميين.

بعد خروجه من الحكومة قدم حزب أربكان مشروع قانون للبرلمان عام 1980 يدعو الحكومة التركية لقطع علاقتها مع إسرائيل، أعقبها مظاهرة حاشدة في مدينة قونية لدعم القضية الفلسطينية، مما جعل الجيش يتحرك بقيادة كنعان إيفرين ليقوم بانقلاب عسكري أطاح بالائتلاف الحاكم، فعطل الدستور وحل الأحزاب واعتقل أربكان الذي خرج بعد ثلاث سنوات في فترة رئاسة تورجوت أوزال عام 1983، ليؤسس حزب “الرفاة الوطني”؛ الذي شارك في الانتخابات في نفس العام لكنه لم يحصل سوى على 1.5% فقط من الأصوات.

واصل جهودة لينجح في انتخابات 1996 بالأغلبية ليترأس أربكان حكومة ائتلافية مع حزب “الطريق القويم”، انفتح أربكان على العالم الإسلامي؛ وأعلن عن تشكيل دول الثماني الإسلامية التي تضم أكبر 8 دول إسلامية، لكن سياسته لم تعجب الجيش الذي قام مجددا بانقلاب ناعم عام 1997 عبر الضغط على حزب “الطريق القويم” للانسحاب من الحكومة، فاضطر أربكان للاستقالة من منصبه، تبعه حظر حزب الرفاة عام 1998، وأُحيل أربكان للقضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق العلمانية، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات، ليؤسس حزبا جديدا عن طريق أحد معاونيه سُمى حزب “الفضيلة”، لكنه حُظر في نفس العام.

مع بداية ظهور أردوغان كسياسي خاصة بعد ترأسه لفرع الحزب في إسطنبول، بدأت الخلافات بينه وبين أستاذه أربكان حول طريقة إدارته للحزب، كانت البداية عندما اتخذت قيادات الحزب عام1991 قرارا بالتحالف مع حزب “الجبهة القومية” وحزب “الاصلاحيين الديمقراطيين” بدون التشاور مع أفرع الحزب..

ثم اختارت المرشحين لهذه الانتخابات عن دائرة إسطنبول دون التشاور مع فرع الحزب في إسطنبول، ثم زادت الخلافات عندما قررت إدارة الحزب أن يكون ممثلها في البرلمان “مصطفى باش” وليس أردوغان، مما تسبب في غضب أنصار أردوغان، كما اعترض المركز العام للحزب علي ترشيحات فرع إسطنبول للانتخابات الداخلية وهم من المحسوبين على تيار “أردوغان”.

بعد وفاة الرئيس التركي “تورغوت أوزال” في أبريل 1993 اتخذ الحزب قرارا بدعم حسام الدين جين مرشحًا للرئاسة، لكن أردوغان رفض القرار لاتخاذه بدون مشوره، وأعلن أنه سيدعم المرشح “لطفي دوغان”، وفي عام1994 وبينما كان ينتظر الجميع ترشح أردوغان لرئاسة بلدية إسطنبول كان قرار المركز العام الدفع بمرشح آخر، لكن فريق أردوغان قام باستطلاع الآراء داخل الحزب ليفوز أردوغان ب3308 أصوات من بين 3993.

وكشف أن 70% من جمهور حزب الرفاة سيصوتون لأردوغان، بينما دعم المركز العام “علي جوشقون” المنضم حديثًا للحزب، لكن استطلاعات الرأي التي قام بها أنصار أردوغان  زادت من غضب أربكان ودفعته للتراجع عن قراره وأن يقبل بترشح أردوغان.

بعد انقلاب عام 1997 حُل حزب “الرفاة” وحوكم أربكان و أرودغان وحظر عليهما ممارسة العمل السياسي، وزادت شعبية أردوغان باعتقاله خاصة مع نجاحه في رئاسة بلدية إسطنبول.

بعد الانقلاب تشكل حزب الفضيلة ليرث الرفاة، وبدأ ظهور صراع بين أربكان وأردوغان، وبدء إجراء انتخابات داخلية في الحزب فأنصار أربكان يدعمون “رجائي طوقان” الذي يصفه أردوغان بأنه شخص تابع ينفذ ما يؤمر به، وكان فريق أردوغان يدعم “عبدالله غل”، وجرت الانتخابات وخسر أنصار أردوغان بفارق 50 صوتا، بعدها اعلنت السلطة حل الحزب، ويقول أردوغان “لو لم يغلق حزب الفضيلة لما كنا انفصلنا بسهولة أبدًا”، لينقسم الحزب لحزب “السعادة” التابع لأربكان، وحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان.

تركيا تحيي ذكرى التصدي لمحاولة الانقلاب العسكري الفاشل (أرشيفية)

 

  1. قيادة: وجود أردوغان كشخص كاريزمي وشعبوي استطاع التأثير في الحركة الاسلامية التركية ويصبح منافسًا لأستاذه أربكان، كما ساهمت فترة تولى أردوغان لرئاسة بلدية إسطنبول وماحققه من إنجازات من كسب ثقة الشعب.
  2. فكر جديد: سعى أردوغان لتأجيل معارك الهوية التصادمية مع العسكر والدولة العميقة وهو الذي رفضه أربكان، واستطاع إقناع الجميع أن تدينه الشخصي لن يؤثر على علمانية الدولة.
  3. الظروف السياسية: خدمت الظروف السياسية والاقتصادية أردوغان إثر حدوث خلاف بين رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء بولنت أجاويد مما أدى إلى انهيار سوق المال ثم تقديم موعد الانتخابات الرئاسية 18 شهرًا.
  4. الانقلابات المتتالية: أصبحت الانقلابات المتتالية على الحكومات التابعة لأربكان هاجس للناخبين، لكن أردوغان بسياسته الجديدة استطاع الحفاظ على نفسه من هذه الانقلابات ، بل نسج علاقات جيدة مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ساهمت في دعمهما له في معاركه الدستورية الذي ساهمت بشكل كبير في إبعاد الجيش عن السياسة.
  5. الفصل بين الديني والسياسي: كانت أحزاب أربكان تدار بشكل يشبه الجماعات الدينية، وهو الأمر الذي عارضه أردوغان ورفاقه وسعوا في إنشاء حزبهم على انفتاح الحزب على كل طوائف المجتمع وليس على الإسلاميين فقط.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها