كورونا تجبرنا على السؤال لماذا نكتب؟

بسطت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) قبضتها العالم
بسطت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) قبضتها العالم

يحصر البعض مفهوم الكتابة في عملية تحويل سحرية للأفكار و الهواجس إلى حروف و كلمات تتراقص و تتعرّى على أوراق بيضاء لم تصبح مجرّد خلفية لهذه الكائنات الأبجدية.

و هنا الأجوبة : كون الإنسان “كائن الكوناتوس” على حدّ عبارة الفيلسوف باروخ سبينوزا التي تعني أنّه كائن الرغبة والإرادة ، فإنّه من الضروريّ أن يعبّر عن الرغبات والمشاعر التي تعتريه.

ولئن اختلفت الطرق و المساعي فإنّ هذه الغاية تبقى واحدة، ومن هنا تخلق الأسئلة الفلسفية الثورية “لماذا نكتب ؟ “.

قد يحصر البعض مفهوم الكتابة في عملية تحويل سحرية للأفكار و الهواجس إلى حروف و كلمات تتراقص و تتعرّى على أوراق بيضاء لم تصبح مجرّد خلفية لهذه الكائنات الأبجدية و إنّما الثوب المزركش الذي نُلبسه لحروفنا لكي لا تراوغنا، لكي تقاوم وأدها بفعل الزمن و النسيان و تشوّهات النفس.

نحن نخطّ حين يعترينا جنون الكتابة أو حينما تستبدّ بنا شهوة القلم فنهرع إلى دفاترنا هالعِين، و ربما متحمّسين في أحيان أخرى.

يحصر البعض مفهوم الكتابة في عملية تحويل سحرية للأفكار و الهواجس إلى حروف و كلمات تتراقص و تتعرّى على أوراق بيضاء لم تصبح مجرّد خلفية لهذه الكائنات الأبجدية

 غير أنني أتجاوز هذه الرغبة و أصدح عاليا بصوتي نحن نكتب ليس لمجرّد هذه الرغبة أو من أجل نزوة قلم مجنون محموم بل نكتب لأنّنا خُلقنا من حروف و كلمات لا فقط من لحم و دم يجري  في الشرايين والأوردة،  في مساماتنا تحلّق المعاني و الرموز ومع الأكسجين والغازات المسافرة إلى الرئتين تُقذف ملايين من الحكايات و الأساطير و في عجيج القلب يسكن الأدب والفن و بهذا فإن الكتابة هي “مِنّا نحن و”إلينا”.

أي أنها مخلوقة “من” قبس ذواتنا و كذلك تعود ”إلينا” بعبق فخر الكاتب أو ألمه محققة المستحيل متحدية سطوة الكلام و قسوة الصمت.

و إن أردنا الغوص أكثر في مداد الكلمات، أقول إن الكتابة مقدّسة حيث أنها تربط بين نواة الكاتب و الإله باعتبارها لغة مشفّرة تتحكم في الوصل بين خالقٍ خلق لغته الخاصة و ألقى بوَجدها و نبوءتها في كتبه المقدّسة التي لم تخلو من كلمات “إقرأ” و”كتبناه في لوح محفوظ” و غيرها من العبارات التي تتلفّع بنار الإله المقدسة التي تدثّر الكاتب وتجعله جزءًا من هذه القدّسية التي جُبل عليها منذ بداية الخلق والوحي.

سرد قصص الهوى المشبوب الواقف على الأطلال نودع حبيباتنا، نحتسي الخمر مع بن النواس و نعزف مع كافكا و نيتشه بكمان حزين موسيقى تراجيدية لم تكن غير تراجيديا الكتابة الجذابة

إلا أن هذه العملية لا تكون دائما لغايات ترفيهية فمن جهة أخرى تعتبر الكتابة جريئة بل خطيرة أيضا تنبش داخلك و تزوّدك بجرعة زائدة من محلول الوعي والإدراك الذي سيدخلك حتما في متاهة من أسئلة دون أجوبة تصير فيها أصابعك المنتفخة بسبب الكتابة مسامير تخزك متجاوزة طبقات جلدك المفعمة بالحروف و لعلّ الغزل العربي خير دليل على ذلك فشعر جميل بن معمر و قيس بن الملوّح كان بحثا عن المعاناة و الألم في وجه الحب الصامت.

نحن نكتب فنسير على الجمر، نتحدى حدود الذات وأسرها، نضيء ليلا لا يهجع بنور الشفق المُنثال من أناملنا، نسرد قصص الهوى المشبوب الواقف على الأطلال نودع حبيباتنا، نحتسي الخمر مع أبي نواس و نعزف مع كافكا و نيتشه بكمان حزين موسيقى تراجيدية لم تكن غير تراجيديا الكتابة الجذابة، نجرجر بؤسنا فيتطاول الذرى و الدمع ثم نلوب و نختنق ونتعرى و نحترق و كأنّ الكتابة و الألم صنوان.

باختصار، نحن لا نكتب فقط لأننا كائنات من كلمات وحروف أو لأننا نلتحم بالإله من خلال الكتابة و غيرها من الأسباب التي ذُكرت أعلاه، نحن نكتب كذلك من أجل أن نزرع شقائق النعمان في الصحراء صباحا، نسافر إلى القمر على أجنحة كلمةٍ وسط النهار و نقبّل شفاه الوجود والحياة ليلا ، نحن نكتب لنعيش!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها