علمتني كورونا

مدينة ووهان مهد فيروس كورونا

علمتني كورونا أن المصائب تمحيص للرجال وغربلة لهم وكشف لمعادنهم”فَأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” وقد مكث العالم والطبيب والجندي والمعلم وعاملة التنظيف.

 الحياة أكبر مدرسة تعليمية، للعالم  والأمِّي والصغير والكبير والأصم والأبكم،فمن أراد أن يستفيد فسيلقى ما يريد، ومن أعرض عن مواعظها فسوف يلقاه الزمان بما يسوؤه، لأنه عارض قانون الكون ودروسه!
إن العالم اليوم يتلقى درسا مهما من دروس الحياة، ألا وهو كورونا! وبما أنني من ضمن المقصودين بهذا الدرس فعلينا أن نستفيد منه .
على رأس المستخلصات من هذه الجائحة العالمية أن الكرة الأرضية ليست ملكا لأحد، وأن الإنسان مهما بلغ علمه في هذا الكون الفسيح سوف يبقى مفتقرا إلى رحمة الله تعالى ولطفه.

دروس كورونا كثيرة وكل واحد منا يستخرجها من الحياة بقدر إحساسه وإدراكه، وسيبقى المتيقظ متيقظا لدروس الحياة وعبرها

وما الأوبئة التي مرت عبر التاريخ إلا دروس مفادها أن الإنسان ضعيف وسيبقى ضعيفا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يعنى اكتشافه للعلاج أنه قوي! وإنما هو تطور بسيط فقط،وستظل الأمور تجرى بتصريف حكيم من الله سبحانه وتعالى،فها هي القدرة الإلهية تتجلى في أبهى صورة.

اليوم نرى الجيوش في العالم تخرج إلى شوارع المدن معلنة حالة الطوارئ، في مشهد مهيب ينذر بوجود حرب في أغلب أقطار الأرض، أجل إنها حرب ولكن العدو غير مرئي، وتستمر الحرب شهورا والناس يفنيهم الموت، والحالات الإصابة تتجاوز المليونين من غير جدوى إلى أن يأذن الله بانتهائها.
ولقد بصَّرتني كورونا بالحكمة الإلهية في الابتلاء، فإنني أرى العالم مبتلى بمصيبة واحدة كل على قدر ما يستحق بسبب ما اقترفت يداه من السوء،ولم يحتج سبحانه أن يعدد المصائب ليبتلى كل طبقات المجتمع، بل هو فيروس واحد أضرَّ بجميع الفئات والمجالات بدرجات متفاوتة!
تعلمت خلال تلك الجائحة أن من يثق في الزمان أبلهٌ، والواجب أن أبقى دائما حذرا مترقبا متحسبا لتقلباته وصولاته، فمن كان يخطر بباله أننا سنسجن طواعية في بيوتنا شهرين متتابعين!
كذلك أيقنت أنه سيأتي يوم ونفارق فيه الأحباب والأصحاب، وكيف لا، وقد فارقناهم اليوم ومنعنا من لقائهم  وهم يجاوروننا .

لذلك من الأفضل أن نصنع معهم ذكريات وردية لأننا كلنا راحلون، فليكن أثرنا جميلا بعد الفراق.
علمتني كورونا أن المصائب تمحيص للرجال وغربلة لهم وكشف لمعادنهم “فَأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” وقد مكث العالم والطبيب والجندي والمعلم وعاملة التنظيف والغني الشاكر الذي ينفق من ماله على الضعفاء والمحتاجين.

علينا أن نصنع ذكريات وردية لأننا كلنا راحلون، فليكن أثرنا جميلا بعد الفراق

لقد استفدت أيضا أن الشدائد التي تمر علينا فيها جانب من الخير، وذلك أنها تبين للإنسان والشعوب عامة مواطن الضعف والخوار وتكشف العيوب، فمن اتعظ واعتبر وأصلح أدرك مقدمة الركب، ومن تجاهل وتعامى تقهقر وانحدر.
أفادتني كورونا أن العلم مُسهِّل للحياة وممتص لصدمات المصائب ومخفف لآلامها، ومن لم يسلك طريق العلم سيخسر ويتألم أكثر،وسيبقى عالة على من يمتلك العلم ووسائله، وربما يهلك بسبب جهله.
ومن دروسها أنه يجب علي أن أعمل على تقوية مناعتي الروحية والنفسية، حتى أستطيع مجابهة الشدائد بأقل الأضرار النفسية.

وإن تلك المناعة لتتقوى بالإيمان بالله تعالى والتعلق به دون سواه،وفعل الخير ونشر السلام. وأما من كان يرى الحياة رؤية سطحية يتمثلها في لباس وأكل وشرب ومركب فإنه الآن يعاني داخل غرفته بالحجر الصحي بسبب قوة الصدمة.
وهكذا فإن دروس كورونا كثيرة وكل واحد منا يستخرجها من الحياة بقدر إحساسه وإدراكه،وسيبقى المتيقظ متيقظا لدروس الحياة وعبرها والنائم نائما حتى توقظه الهزة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها