وفاة مبارك ومتلازمة كفر مصيلحة (ستوكهولم سابقا)

متلازمة ستوكهولم Stockholm syndrome هي ظاهرة نفسية شهيرة تظهر على البعض عندما يتعاطف مع العدو أو اللص أو المجرم، وتسمى أيضاً برابطة الأسر أو الخطف حيث يُظهر المظلوم أو المعتدى عليه مشاعر التعاطف والود والإيجابية وحالة من الـ ( كيوت) تجاه الظالم أو الجلاد – حتى إنه يدافع عنه أو يلتمس له العذر أو يبكي من أجله  بصورة تبدو غير منطقية – ولا تتماشى مع ما تعرض له الضحية من ظلم وقهر وجلد وسرقة ونهب وايذاء مباشر وغير مباشر 
وفي الحقيقة أن هذه النسبة من البشر التي تظهر عليهم هذه الحالة من التعاطف مع المجرم لا تتعدى نسبتهم الـ 8 % بحسب تسجيلات الشرطة
وقد اشتهرت هذه النظرية وأعراضها في عام 1973 في مدينة ستوكهولم عندما قام مجموعة من المجرمين بالهجوم على بنك واحتجزوا ضحايا لمدة ستة أيام – وأثناء هذه الفترة تعاطف بعض من الضحايا مع المختطفين بل وتطوعوا للدفاع عنهم بعد انتهاء الأزمة وتحرير الضحايا
ومن السويد ومدينة ستوكهولم نتحول الى مصر وكفر مصيلحة لنشاهد ذات النفس الإنسانية وغرابتها تنتقل عبر القارات والقرى والكفور
ولكن ما هذه الحالة العابرة للقارات من ستوكهولم لكفر المصيلحة ؟!
وما دلالة تعاطف البعض من المصريين (8% ) مع وفاة حسني مبارك الذي تسبب في حالات ظلم وإفقار ومرض وتهميش للمصريين وفساد اقتصاد وتعليم وصناعة وزراعة وإدارة ؟! – ما التفسير النفسي لذلك وهم من قاموا عليه بثورة ليست ببعيدة؟ وكانوا يهتفون في الميادين (يا مبارك يا طيار جبت منين 20 مليار!!) إشارة لفساده والمليارات المهربة للخارج والتي لم يحصل الشعب منها على مليم أحمر بالعكس برأته محكمة السيسي.
إن متلازمة ستوكهولم أو التعاطف مع الجاني لها مركبات نفسية تحركها وتدفعها لتبدو بهذه الغرابة:

التكوين الضدي

وهي حيلة نفسية لا شعورية تمارسها الضحية الضعيفة نفسيا حين تدرك أن الجاني لازال قويا أو أنه من الممكن أن ينتقم – أو ان الضحية فاقد الثقة في نفسه ويعلم أنه لا طاقة له بالجاني فيبدأ في بلورة مكون نفسي جديد عكسي فيظهر أتوماتيكيا الحب مكان الكره والولاء مكان البراء والتعاطف مكان الشماتة.. وبهذا تحل الضحية مشكله الصراع النفسي بين الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام على المستوى النفسي وبين عدم القدرة على تحقيق ذلك على مستوى الواقع – فتعمد الى تحريك مؤشراتها النفسية من كره الى حب لأنها لا تستطيع تغيير مؤشرات الواقع من ضعف الى قوة وانتقام
فالتوحد مع المعتدي هو إحدى الطرق للدفاع اللاشعوري عن الذات. فالضحية حين تؤمن بنفس أفكار وقيم المعتدي فإن هذه الأفكار والتصرفات لن تعتبرها الضحية تهديدًا أو تخويفا
ليظهر المثل الشعبي المتعجب أو المبرر لهذه الحالة (القط ميحبش الا خنّاقه) 

 الحنين للماضي المهين 

وهي شكل من اشكال المازوخية والتي هي حالة من استعذاب الألم الجسدي أو النفسي ويحصل صاحبها على المتعة عند تلقي التعذيب أو الإهانة 
وتأتي هذه الحالة أحيانا في صورة حنين الى أيام العذاب أو استكثار النعمة والحياة الكريمة على نفسه
فتراه بعد الغنى يحن الى الفقر – وبعد التعلم يميل للجهل – وبعد التوحيد يميل للوثنية – وبعد الحرية يميل لأيام للعبودية
فتلك قرى عاشت بأمان وطمأنينة وقوة ورغد عيش وسهولة في التنقل والسفر ولكنها بطرت معيشتها (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
لماذا هذا التحول والدعاء على النفس!!
ومره أخرى حين لم تجف بعد أقدام الناجين مع نبي الله موسى بعد شق البحر لهم بقدرة الله الواحد (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
إنه الحنين في شكل نكوص ورده الى وضع سيئ بعد تذوق الأفضل والأجمل (حرية – توحيد – قوة – أمان …الخ)

الانقلاب على الذات

وهي كذلك حيلة لا شعورية يتبعها الضعيف نفسيا أو المنهزم نفسيا حين يدرك أنه لا وسيلة له للنصر فيغير وجهة الغضب من العدو الى الذات في محاولة لتبرير ضعفه فتظهر كلمات مثل
(احنا اللي نستاهل) (على فكرة مينفعش معانا غير كده) (احنا شعب ميمشيش غير بالكرباج والظلم) (اللي بيحصل ده بسبب ذنوبنا احنا مش هو) (البلد مفيهاش رجاله) (احنا شعب ميت) أو يبرر للظالم ويقلل من نفسه (وهو هيعمل ايه يعني) (ماهو مينفعش يعمل كل حاجة) (هو حلو بس اللي حواليه هما اللي وحشين)
وهذا يحدث حتى مع بعض مشجعي الرياضة – حين يفاجئون بهزيمة ثقيلة وأنه لا سبيل لتعويض الفارق والوقت يمر فيبدأون في سب اللاعبين من فريقهم منقلبين على ذاتهم وفريقهم.

الدعاية الإعلامية

وهو شكل من اشكال السحر العقلي يأتي بنتيجة فعالة جدا مع البسطاء أو القابلين للإيحاء فيتأثرون مع اغنية حماسية حتى لو كانت ضد أفكارهم وقيمهم ودينهم، ويبكون مع مشهد درامي مصحوب بموسيقى حزينة ليتعاطفوا مع الخائنة أو السفاح، أو يقبلون فاسد المعتقد من خطيب يعلو بصوته حتى تقشعر أبدانهم.
والشرط فيها التكرار الذي هو أمّر من السحر
وهو مؤشر هنا أن الدعاية أو الإعلام الذي يحمل معركة التوعية بإجرام الظالم لازال إعلاما مغتربًا عن الواقع النفسي للناس فيخاطب عقولهم بالأرقام والحقائق والوقائع في حين هم لا يريدون أكثر من تأثير درامي قوي حتى لو خلا من أي منطق – يريدون لغة يفهمها الناس وقريبة من الشارع لا لغة المثقفين وأصحاب الكرافتات – إنها الدراما والأغنية الشعبية التي تسحر أعين الناس وتسترهبهم أكثر من نشرة الاخبار – فسيبقى في الأذهان إيقاع أغنية (اخترناه اخترناه )  أكثر من  رقم عدد ضحايا عبارة السلام

الدروشة والتدين الانتقائي

يكون التدين الشكلي أو الظاهري الانتقائي شكلا آخر يغلف الحيل النفسية الضعيفة او اللا شعورية ليعطيها نوعا من التبرير والقدسية
فتتغلف متلازمة  ستوكهولهم من صورة ضعف وغرابة نفسية الى عفو وتسامح – هنا يحاول الضحية أن يبدو قويا في إظهار أنه يتمسك بقيم العفو والتسامح في حين أنه في الحقيقة لا يملك غيرها
فهو لا يسامح ولكنه غير قادر على استرداد حقه وهو لا يعفو ولكنه لو تفوه بغير ذلك قد يواجه مشاكل
إنه هذا الغلاف الديني الانتقائي يعطيه حلا للصراع الداخلي الذي يشعره بالضعف – فتجد أنه في حالة مبارك الذي أصاب الضحية بالفشل الكلوي ومات ابن الضحية بالمواد المسرطنة وعاش فقيرا منهوبا في وطنه يقول ( اذكروا محاسن موتاكم ) إن محاسن تظهر هنا في حالة موت الظالم أو الجاني – في حين أن محاسن نفسها تختفي اذا كان الميت ضعيفا فترى الضحية يذكر مساوئ عمه ويعدد ظلمه ويلعن أيام خاله الذي أخذ ميراث أمه – دون أن تظهر محاسن بالمرة – ولكن محاسن حاضرة بقوة إذا كان هذا الظالم أو السارق حاكما قويا أو له أتباع يدهم قد تطال الضحية مرة أخرى.
وقد تجد أن الشخص الذي يستشهد ب (اذكروا محاسن موتاكم) – لا علاقة له بالدين أساسا ولكنه انتقاها وأخرجها هنا ليدافع عن واقع نفسي لا قبل له به أو يحل صراع نفسي من ميله الداخلي للمتوفى نتيجة قوته أو التأثر الإعلامي الساحر به. إن الدين هنا حالة يختار الفرد أن يدخلها لحظيا لهدف نفسي فقط فيتحول الى فقيه أو مفتٍ ( متجوزش عليه الا الرحمة )
إن متلازمه ستوكهولم تشير الى حالة من الضعف النفسي لدى الضحايا والى أن معركة الوعي تحتاج الى دراسة البعد النفسي للشعوب المستهدف توعيتها أو تنميتها وتحريرها – هذا البعد النفسي غاية في الأهمية ليس فقط لتوجيه الأهداف بقوه ولكن لخطورة أن القائمين على جهود التنمية والتحرير أنفسهم قد يكونون ضحايا إغفال هذا البعد – فترى مناضلا أو سياسيا أو إعلاميا أو شخصية عامة تمارس غرائب السلوك في لحظات معينة بحيث تصدم المحيطين
ولكنه علم النفس الذي أحد أهم أهدافه هو تفسير السلوك إضافة الى توقعه وتعديله 
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها