طريق الخلاص والحتمية الديموقراطية

أبو هميلة: ثورة يناير لا تزال تمهد الطريق للاكتمال والانتصار وستظل هكذا

للثورات خصوم لا يستهان بهم ولا يمكن انتصارها إلا بوحدة ثوارها على مختلف مشاربهم؛ فهم أقلية.. لا يشكلون سوى العشرة بالمئة ولا تحتمل هذه النسبة أي تمزق أو تشتت.

كان  لفشل الثورات  الطامحة للحرية وانكسارها أمام  الحكومات الدكتاتورية وقعا” أليما على مزاج الشعوب العربية فبعد الأمل؛  حل التخبط والفشل واليأس وفقد الثأئرون بوصلتهم، وأصبحوا يعيشون في تيه إيدلوجي وسبب ذلك أنهم قد تناسوا أنهم عبر عقود طويلة من الحكم الدكتاتوري لحقهم كثيرا من أمراضها وآفاتها من انتهازية، ومن نزعة عنصرية تنطوي على سلوك سياسي  عشائري أو طائفي أو أسري..

فما أن شعروا أن حلمهم بالديمقراطية اقترب حتى سارعوا إلى ممارسة هذه الديمقراطية بطريقة عوجاء؛  مزقت نسيجهم الثوري وجعلت من رفاق الكفاح ألد الخصام، فانقلبوا على أنفسهم بين يمين ويسار مستعينين في صراعهم فيما بينهم بكل أدوات السياسة القذرة من عصبية مناطقية أو عشائرية أو طائفية..

مظاهرات في السودان -أرشيف

فصارت تلك الممارسة الشاذة للحرية والديمقراطية؛ وبالا عليهم فانحرفت إيدلوجياتهم ووقعت في فخ ممارسة القهر على المخالفين وانتهوا في سلوكياتهم إلى ما كانو قد ثاروا عليه مما سهل على خصومهم؛  رغم كل إجرامهم إقناع العامة أن الديكتاتورية هي الطريق الوحيد لحكم بلادهم، وما الديمقراطية سوى طريق للفوضى، وعاد الناس يتغنون برموز القهر والاستبداد الأحياء منهم والأموات .

إن الانتقال من مجتمع عاش عقودا طويلة على أن القوة هي التي تنشئ الحق وتحميه؛ وحكومات لا تملك إلا سياسية القهر لإخضاع الشعب إلى مجتمع يسود فيه القانون الذي يصوغه الشعب عبر ممثيليه؛ ويحترمه الصغير والكبير دون إجبار أو إكراه لأنه صدر تعبيرا عن إرادتهم  ليس بالأمر الهين.

ولابد من مراحل وآليات انتقالية حتى يتحقق الهدف الذي كافحوا من أجله ؛ فخصوم الثورات كُثر على اختلاف مشاربهم؛ فمنهم من حاز بالقوة على امتيازات وسلطات واسعة وهؤلاء لن يتخلوا عن هذا الامتيازات إلا بالقوة؛ كما حازوها بالقوة.

للثورات خصوم لا يستهان بهم ولا يمكن انتصارها  إلا بوحدة ثوارها  على مختلف مشاربهم؛ فهم أقلية..لا يشكلون سوى العشرة بالمئة ولا تحتمل هذه النسبة  أي تمزق أو تشتت

لم يسبق أن تخلى ديكتاتور عن سلطته عبر المفاوضات لأن الديكتاتور ؛ يناور ولا يحاور ولا يدخل المفاوضات إلا لشراء الوقت.

عندما يشعر  أن قوته لا تكفي لقمع معارضيه ومن خصوم الثورات المستفيدين؛  من أجواء فساد الديكتاتور؛ وعادة تكون من طبقة واسعة من المدراء والموظفين الحكوميين المرتشين الذي يستغلون وظائفهم لمصلحتهم الشخصية..

وهؤلاء يستنفرون ويجندون كل قواهم وقوى أسرهم لإسقاط الثورات وتشوييها؛ لأن نجاحها سيفقدهم مكاسبهم المادية غير المشروعة؛ وهؤلاء ليس لديهم أي رغبة بتغيير الأوضاع .

وهناك شرائح أخرى تعادي الثورات؛  لكنها أقل أهمية من طبقة الحكام وطبقة الموظفين؛  لذلك للثورات خصوم لا يستهان بهم ولا يمكن انتصارها  إلا بوحدة ثوارها على مختلف مشاربهم؛ فهم أقلية..لا يشكلون سوى العشرة بالمئة ولا تحتمل هذه النسبة  أي تمزق أو تشتت؛  مهما كانت حاضنتهم الشعبية واسعة فإن هذه الحاضنة تخشى من التنكيل بها لذلك يكون تأثيرها ضعيفا في ساحات الكفاح من أجل التحرر من الديكتاتورية.

هذا المشهد السياسي المضطرب الذي يحيط بالمشهد الثوري يوجب انتهاج آليات جديدة للانتقال بالمجتمع من حال إلى حال؛  فالقوة الثورية يجب أن ترسخ مبدأ سيادة القانون  في الدرجة الأولى، لكي يشعر الناس بالمساواة والعدل والمشاركة في اتخاذ القرار..

و يجب أن تكون عبر آليات بسيطة وانتقالية؛ فإجراء انتخابات في مشهد مضطرب يزيد الفوضى والتمزق في النسيج الاجتماعي؛  لذلك لابد من وسيلة أخرى لتعزيز المشاركة وسيادة القانون .

وهذا يتحقق دائما من خلال فصل واستقلال السلطات؛  فطالما هناك جهاز تنفيذي يعمل تحت رقابة جهاز تشريعي مستقل، فإن الأمور سوف تسير على أحسن مايرام وليس بالضرورة أن يتشكل الجهاز التنفيذي عبر الانتخابات؛  بل يمكن تشكيله عبر آلية تقوم على مبدأ المساواة بين الناس.

الأليات الديموقراطية هي طريق الخلاص الوحيد للشعوب من واقعها المؤلم ؛ وهو الطريق الذي يجب على الثوار الاجتماع عليه وتبنيه ودعوة القوى الديمقراطية في العالم

فلكل منصب تنفيذي مجموعة من المؤهلات العلمية والشروط؛ يجب توفرها بالمرشحين مهما كانت طريقة الاختيار  فمن غير المنطقي اختيار  رئيس للبلدية؛  له سوابق جنائية أو  لايملك أية مؤهلات علمية وكذلك عضو المجلس الرقابي لابد من شروط ومؤهلات موضوعية  لممارسة عضويته المهم أن يكون هناك آلية تحقق الهدف من الآلية الديمقراطية..
 ففي الطريق إلى الديمقراطية وبناء الدولة من جديدك الاختيار  بالقرعة العادية  وليس بالانتخاب ليس عيبا؛  فهي آلية تستند إلى قواعد قانونية وتضمن مبدأ المساواة والعدل لجميع فئات الشعب بمختلف فئاته وطوائفه واتجاهاته؛   ويوفر الاختيار بالقرعة فرصة لبناء أجهزة الدولة من جديد بعيدا” عن أي تأثير للأمراض والعوامل  السياسية كالطائفية والمذهبية والمناطقية والعشائرية !!!
في النهاية فأن الآليات الديمقراطية هي طريق الخلاص الوحيد للشعوب من واقعها المؤلم ؛ وهو الطريق الذي يجب على الثوار الاجتماع عليه وتبنيه ودعوة القوى الديمقراطية في العالم لتبنيه وحشد القوة اللازمة لتحقيق العدل والانصاف للشعوب الثائرة .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها