سيناريو الانتخابات الرّئاسية التّونسية

 

وفاة أوّل رئيس تونسي منتخب وثاني رئيس عربي زفّته الدّيمقراطية إلى سدّة الحكم، الباجي قائد السيسي، قلبت كل الموازين والمخطّطات، أهمها انتخابات 2019 والتي تغيّر موعدها من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى تاريخ الخامس عشر من سبتمبر/أيلول من نفس السّنة.
ويبدو أنّ هذا الماراثون الرّئاسي قد خلق جوا فكاهيا قبل غلق باب الترشحات وكشف معطيات هامة بعد الإعلان عن القائمة النهائية للمقبولين للتّنافس على أعلى مناصب الدولة.
 أحداث ما قبل نشر القائمة النهائية للمرشحين:

 قائمة الانتخابات الأولى ضمّت أكثر من 97 مرشحا بين غث وسمين؛ عُرس انتخابي فُتحت فيه أبواب الديمقراطية والتعددية على مصراعيها ثم سرعان ما وجد فيها روّاد الفكاهة في مواقع التواصل الاجتماعي مادة شحمة يؤثثون بها منشوراتهم اليومية.
فقد اختلفت أشكال وأنواع الداخلين سباق الرئاسية بين مرشّح يزعم أنه الناصح لأعتى رؤساء العالم والواقف وراء فوز أوباما، وثان يدّعي أنه يمتلك السرّ الأكبر المسؤول عن تطور الدول وأنه يحمل هذا المفتاح السري في جيبه، وثالث يعرض خدماته على المرشحين مدعيا امتلاك الحكمة وأخرى تعد بأنها ستسمح بارتداء “الشورت” في أماكن العمل في حالة فوزها بالمنصب.

مرشّحون منهم من زكاه نواب الشعب على غرار إلياس فخفاخ ونبيل القروي ومنجي الرّحوي، ومنهم من زكّاه الشّعب، ومنهم من فكر في الترشح استجابة لطلب جمهوره ومتابعيه وهي الفنانة الاستعراضية نرمين صفر والتي وعدت بمنح المرأة التونسية ثلثيّ الميراث إذا ما اعتلت عرش السلطة.

 أما الأخير فهو عصفور نادر طال البحث عنه حتى تجسد في صورة الشيخ عبد الفتاح مورو مرشّح حزب حركة النهضة قبل موعد غلق باب الترشّحات بوقت وجيز.

 
إغراءات منصب رئيس الجمهورية الكثيرة وكمّ النفوذ والقوة الذي يحملهما دفع البعض إلى الاستقالة من منصبه وركوب خيله للمشاركة في هذا السباق الذي يفرضه التداول السلمي على السلطة كل خمس سنوات.
من بين المستقيلين من مناصبهم نذكر وزير الدفاع في حكومة الرئيس الراحل الباجي قائد السيسي عبد الكريم الزبيدي، في حين اختار رأس الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد تفويض مهامه لوزير الوظيفة العمومية كمال مرجان لينوبه إلى حين انتهاء الحملة الانتخابية يوم الثالث عشر من سبتمبر/أيلول 2019. أسفرت التصفيات النهائية لملفات الترشح عن قائمة متكونة من 26 مرشحا أغلبهم إما وزراء أو رؤساء حكومة سابقين، وبهذا انتهى مهرجان الترشحات وأوصدت أبواب التندّر بالمرشحين بعد أن أزيحت أسماؤهم من سجلّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأصبحوا خارج سباق الخامس عشر من سبتمبر.

68789541_2262645073998700_2513212401155833856_n.jpg

 أحداث ما بعد نشر القائمة النهائية للمرشحين:

 20 أوت 2019 قسمت تاريخ يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسي و المرشح لمنصب رئيس الجمهورية سياسيا إلى يوسُفين“: يوسف ما قبل التدوينة و يوسف ما بعد التدوينة.
يبدو أنّ الجميع كان يظن بالشاهد خيرا ويرى فيه ولو مجرّد انعكاس المنقذ والقائد قبل أن يفصح هذا الأخير طواعية وربما ليس طواعية عن حمله للجنسية الفرنسية، حيث دوّن أنه قد تخلّى عنها قبل إيداع ملفّ ترشحه، ودعا باقي المرشحين للانتخابات للنّسج على منواله.

                69019129_398917340828605_3954371158157033472_n.png

 حركة استحسنها بعض أنصاره والمقربون منه ووصفوها بالحركة الاستباقية الشجاعة خصوصا وأنه غير مجبر على التخلي عنها في هذه المرحلة وفق الفصل 74 من دستور ما بعد الثورة والذي ينصّ على أن كل مرشّح للرئاسة حامل لجنسية غير التونسية يتعهد بالتخلي عنها في حال فوزه في الانتخابات، بينما نعتها آخرون بالشعبوية على غرار منافسه حاتم بولبيار في حين وصلت التأويلات إلى أبعد من ذلك حدّ اتهامه بالعمالة وازدواجية الولاء وبأنه “موظف لدى صندوق النقد الدولي“.
خبر تخليّ يوسف الشاهد رئيس حزب تحيا تونس عن جنسيته الفرنسية وضعه في وجه المدفع بين ناقد وداعم وسلّط الضوء على موضوع منسيّ أو متناسي منذ زمن وهو ازدواجية الجنسية لدى السياسيين ومتقلدي المناصب العليا في الدولة.

فأغلبية السياسيين يملكون جنسيات أخرى إلى جانب جنسياتهم التونسية، ونذكر منهم مرشح الرئاسية سليم الرياحي الحامل للجنسيتين الليبية والبريطانية ورئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب البديل الحالي المهدي جمعة الذي يحمل الجنسية الفرنسية وثلاثي الجنسية وزير السياحة الذي يتمتّع بجنسية ثانية فرنسية ويشتبه في حصوله عبى جنسية ثالثة إسرائيلية، روني الطرابلسي. هذا الجدل يطرح مشكلا يُفترض أنه قد تمّ تجاوزه منذ شتاء 2011 السّاخن وهو مشكل الشفافية الذي دفع الشعب للمطالبة بتنقيح الدستور وإضافة شروط تفرض على المسؤول الإفصاح عن جنسيته الثانية أيًّا كان منصبه فهي مسألة أخلاقية قبل أن تكون قانونية، تتعلق بمصارحة الشعب شأنها شأن التصريح بالمكاسب. كما رأى البعض بأن ازدواجية الانتماء تطعن في ولاء المسؤولين لوطنهم واحترامهم النظام السياسي خصوصا وأن المعركة السياسية هي حرب ضد الفساد في مقام أول وفي هذا قال المدوّن شكري لطيف: “المشكل لا يتمثل في ازدواجية الجنسية في المطلق، بل في شبهة ازدواجية الولاء لبلدين ولنظامين سياسيين مختلفين لدولتين مختلفتين لدى المسؤولين السياسيين. وهو مشكل يكتسي حدّة أكثر عندما يتعلق الأمر بحمل تونسي يحتل منصبا وزاريا وحكوميا بل ورئاسيا لجنسية البلد المستعمر القديم“.

 صحيح أن انتخابات 2019 بدت تجلٍّ واضح للتعددية والتسامح في ظل التنافس والاختلاف لكنها حملت معها جملة من المفاجئات والمستجدات أكثرها راهنية بعد جدل ازدواجية الجنسية، مسألة القبض عن مرشّح حزب قلب تونس نبيل القروي مساء الجمعة المنقضي.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها