ربيع عربي.. بوصاية أجنبية

كانت البداية سنة 1913 عندما خرج العرب الذين رأوا أنهم مضطهدون داخل الدولة العثمانية التي يحكمها آنذاك السلطان عبد الحميد من “المؤتمر العربي الأول” في باريس بمجموعة من المطالب، من بينها المساواة مع الأتراك والسماح بإقامة حكم ذاتي في الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية.

الغريب هنا أن زعماء هذا الانفصال عولوا كليا على فرنسا وبريطانيا بهدف الوساطة من أجل تحقيق مطالبهم. ومثل هذه الفرصة فيها من الإغراءات الكثير لتلبية طمع أكبر الدول الاستعمارية في إسقاط أعتى الخصوم؛ أي الدولة العثمانية.

هنا، تدخلت المجهودات الفرنسية والبريطانية وشجعت العرب ودعمتهم بالمال والسلاح للقيام ب “ثورة” ضد الدولة العثمانية مع تقديم وعود تؤسس لـ “دولة عربية عظمى” شريطة أن لا تشمل هذه الدولة المناطق التي تسيطر عليها القوات البريطانية و الفرنسية.

إن سقوط كيان كالدولة العثمانية التي تعتبر واحدة من أقوى الامبراطوريات الإسلامية عبر التاريخ، كان مبنيا أساسا على فكرة إضعافها من الداخل عبر استقطاب جزء هام وكبير من أجزاء مجتمعها وهم العرب.

لكن في الحقيقة، انتهى الأمر بالاتفاقية الشهيرة سايكس بيكو بعد 3 سنوات فقط من بداية الحراك الثوري.. بين دبلوماسيين يمثلان القطبين الغربيين، هما البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو.

قد يكون للعرب آنذاك أسباب حقيقية وموضوعية دفعتهم للاحتجاج على الدولة العثمانية، لكن فكرة التعويل على الأنظمة الاستعمارية الغربية كانت بداية النهاية والفرصة التي لم تفوتها ولم تتخل عنها تلك الدول إلى اليوم في تهويد المنطقة. دون إشراك ولو رمزي لأي عنصر عربي.. الاتفاقية قسمت العرب إلى دويلات خاضعة وجعلت من جغرافيتهم مناطق صراع دائم ولطخت تاريخهم بدمائهم حتى كادوا أن ينسوا متى صافحوا السلام آخر مرة.. وهل عرفوا يوما معنى السلام أصلا؟

نتقدم بالزمن قرنا، لنصل إلى سنة 2011. سنة ولادة “الربيع العربي”. سنة ظنوا فيها أنه سيكون لهم أخيرا موعد مع السلام والحرية..

وما حال سوريا؟ سوريا التي لو بقينا فوق الدهر دهرا نصف هول ما يحصل فيها لما انتهينا.. سوريا التي يتصارع على قصعتها أكثر من 500 فصيل مسلح لم يملوا قط من تعذيب وترهيب وتشتيت مواطنيها داخل أراضيها وخارجها.

 لكنالحقيقة لها رأي آخر مرة ثانية، فبعد مرور سبع سنوات من سنة الولادة.. تيقنوا أن التاريخ يعيد نفسه.

بعض الدول العربية طالبت فعلا بالتدخل الأجنبي للإطاحة بأنظمتها الدكتاتورية. أي منطق هذا الذي يدفع شعبا للاستعانة بطاغية مستعمر للتخلص من دكتاتور؟

كان من أبرز هذه الدول، ليبيا وسوريا، فكلا البلدين قبلتا دعما ماليا وعسكريا وإعلاميا للحركات الثورية، علما بأنه في وقت غير بعيد، كانت هذه الدول نفسها مستعمرة بشكل كلي ومباشر من قبل ذات القوى التي طلبوا يد العون منها..

 هنا تتاح للغرب فرصة ثانية للتدخل في الشؤون العربية بمباركة العرب أنفسهم. فما حال ليبيا اليوم؟ وكم من فصيل وتنظيم يلهث وراء كرسي الحكم الموحد فيها؟

عموما، لقد كان الدرس الأول في مطلع العشرية الأخيرة من القرن الماضي والدرس الثاني في مطلع العشرية الثانية من القرن الجديد.

وفي كلا الحالين، لا وجود اليوم لدولة ليبية موحدة ولا لدولة سورية مستقلة. كما أن مفاوضات السلام، سواء كانت حول سوريا أو حول ليبيا، لا تجري على أراضيهما بل في عواصم غربية. وحتى المفاوضين، ليسوا من يدعون أنهم ممثلون عن الشعبين، بل هم في الحقيقة يمثلون قوى إقليمية وعالمية نافذة.

هذا لا يعني أن الحركات الشعبية غير مشروعة، بل هي مطالب واقعية ومنطقية. فالشعوب العربية لطالما عانت من التهميش والتفقير والقمع والاستبداد. لكن حتى هذا، لا يغفر ولا يبرر التحالف مع قوى خارجية عرفت باستعمارها وبطشها واستغلالها للظروف الحساسة لإسقاط أنظمة وبناء أخرى تتماشى معها والتاريخ يشهد.

 والآن، ورغم أنه على ما يبدو أن الأوان قد فات، لكن من المفروض أننا اكتفينا ولا نريد دروسا أخرى ولا أن يعيد التاريخ نفسه مرة ثالثة.

فالمستجير بالغرب من كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.

لأن إعادة نفس السيناريو يعني بما لا يدع مجالا للشك أننا شعوب بلا عقول.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها