فقه الانقلابات

لَمْ يسمح لشعوب الربيع العربي بالحياة، كعقوبة على شذوذها عن قواعد التغير العامة، وخَلَّفَ العَسكرُ، وحَل الدمار مكان الديكتاتوريات. ووصل الحال اليوم إلى أن يُقصي العُسكر بعضهم.

كان عَسكر الأمس أكثر شجاعة، مِـنْ عسكر اليوم. في اتخاذ قرار التسرب مِن الثُكنة والتسلل إلى القصر.

فقد كانوا يعلمون جيداً أنْ جمجمة العسكر وجدت لتثقبها الرصاصات، وليس للتفكير بالحيل السياسية. 

كانوا أكثر شجاعة فهم يذهبون إلى القصر ببزاتهم العسكرية، وبنادقهم مشحونة بالذخيرة ومِـنْ خلفهم تشكيلاتهم القتالية، وإعلامهم. مما يوحي لنَا كعامة، أنْ هؤلاء يملكون هدفاً واضحاً، وسيرحلون فور إنجازه، فهم على عجلٍ لدرجة أنهم لَــمْ يخلعوا أحذيتهم العسكرية عِندما وطئوا بها بلاط الحُكم.. 

كُنَا نطمئن لـ انقلابهم غير المشروع، لانَّا نعلم أنْ فوهات بنادقهم متجهة نحو رجال السياسة، فهم يسلبون حق بعضهم في الحُكم، ولا يُعطلون الإرادة الشعبية كما يفعل عسكر اليوم. 

لقد أصبحنا نحترم العسكري الذي يأتي على ظَهَر الدبابة، ويظهر رأسهُ وأكتافه مِـنْ فتحة البرج ولا يخفيها، إنه وبكل قبحه يحمل آخر سمات العسكرية، التي مَا عاد يحملها عسكر اليوم، تلك السمةُ هي الشجاعة.. 

لقد مَيعت الجيوش العربية فكرة الانقلاب العسكرية، وأفسدت طابعها الثوري، ووظفتها في مربع الثورات المضادة لا مع روح الثورة. 

يجب أنْ تعتمد الأكاديميات العسكرية مُقرراً جديداً، يحتوي على جرعة معرفية كبيرة حول فقه الانقلاب، وأنْ يصبح الانقلاب جزءا مِـنْ العقيدة القتالية التي تحملها الجيوش، كما ينبغي أن يحفز العسكر على الانقلاب كُلما سنحت لهم الفرصة بذلك، أو ترك لهم السياسيون ثغرة للإطاحة بهم. 

 مِـنْ شأن ذلك أنْ يجعل البيئة السياسية أكثر تغيراً، ويعزز النزعة الوطنية للانقلاب، فيكون وفقاً لمعطيات الداخل وليس تبعاً لمتغيرات الخارج.

قد يرى الكثير بما أقوله ضربا مِـنْ الجُنون، لكن في الحقيقة هذا مَا يناسبني كـ عربي، أعيش حالة يأس مِـنْ نجاح أي عملية تغير سريع، تحفظ لي حقي في عيش اللحظة، ولا تهدر عُمري بمسارات تغير متعرجة لا أبلغ نهايتها في عُمري، ولا يحصد ثمارها أحفادي.

لَــمْ يسمح لشعوب الربيع العربي بالحياة، كعقوبة على شذوذها عن قواعد التغير العامة، وخَلَّفَ العَسكرُ، وحَل الدمار مكان الديكتاتوريات. ووصل الحال اليوم إلى أن يُقصي العُسكر بعضهم، مِـنْ خوض سباقٍ شكلٍ خشية أن تأتي الشعوب بحذاء عسكري أصغر لو برقمٍ واحد، فتشعر بفرقٍ واضح فيغريها ذلك بالمحاولة أكثر.

إننا كشعوب لا يجب أنْ نقاوم العسكر فقط، بل يتوجب علينا أيضاً أن نمنع السياسيين مِـنْ التحالف مَع العسكر، ونحرص على فتح جبهات اختلاف طويلة، فتحالفهم يعني شللا في جميع نواحي الحياة، فلم يَعُد هناك مِنْ جيوش تستحق الاحترام سوى جيوش العمق الأفريقي، ولا رجال سياسية نثق بهم، سوى الأتراك ومَـنْ شابههم.

يجب أن يسحق السيسي، سامي عنان، فالأول وإن كان معدوم الشجاعة، فالأخير أيضاً متنامي الجُبن، فهو ليس مِـنْ طينة الجنرالات الذين يقضون على رفاقهم، وإلا لكان وَقف عِند السَطر الأول مِـنْ بيان القوات المسلحة المصرية في يونيو مِـنْ العام ٢٠١٣، يوم إن كان السيسي يستر عورته بورقة توتٍ يابسة، يُمكن حَرقها إذا لَــمْ يكن بالإمكان نَزعها. كما أنه يتوجب على الأخوين النَوم في السجون عامين آخرين، حتى تظهر نتائج حكم السيسي، وإن لا يكتفوا بالمؤشرات فقط، فمعركتهم القادمة تحتاج للعامة مِـنْ الناس وليس للنخب المثقفة.

يجب أنْ لا تخاف شعوب العالم الثالث بعد الآن مِـنْ الانقلاب مهما بدت معتمة فهي الطريقة الوحيدة التي تغير بها المؤسسة العسكرية مِـنْ جلدها، وبالتالي تتغير فيها وجوه السياسيين. فلا يعد هناك جنرالات بعمر الديناصورات، ولا ساسة بوَجهِ الذئاب، ومَا مِـنْ شيء يمكن أن نخسره أكثر مِـنْ الانتظار.

ختاماً قد تَقضي الانقلاب العسكرية على جوانب كثيرة مِـنْ الحياة، لكنها تُحيي الجُزء الذي يتجاهله محراث السياسة.

في الانقلاب تموت الأم ويعيش الجنيين وفي الدكتاتورية يموتان معاً. وعلى الشعوب أن تحسم أمرها، أمام جيوش لَــمْ تَعْد مخولةً لحمايتها وتمثيل إرادتها في الحكم، وتضحيتها في الاستقلال، ويجب عليها أن تشرع بالبحث عن وسائل تغيرٍ جديدة، أسرعُ مِـنْ الثورات، وصحية أكثر مِـنْ الانقلاب، وفعالة في وَجه المؤامرات والمشاريع الإقليمية، دون حساب للكلفة، أو تفكيرٍ بالتضحيات، التي مهما بلغت لــنْ تكون أفدح مِـنْ سيل التنازلات. بالتضحيات تأخذ مِـنْك اليوم، وتمنحك في الغَدِ، على عكس التنازلات التي تأخذ مِـنْك اليوم وتأخذ مِـنْك في الغد وتأخذ مِـنْك بعد الغدٍ ايضاً.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها