حدث عن أراكان ولا حرج

كشاب فلسطيني عشت طفولتي في قلب الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان اهتمامي الأول متابعة الأخبار المحلية والعربية والإسلامية وصولا إلى الدولية، إذ أصبحت أشعر بأن واجبي أن ألمّ بمجريات الأحداث في العالم، وأسباب الصراعات و الحروب وعقد المهادنات، وكنت أعتقد أني ألممت بجميع الحروب الحديثة، والصراعات، حتى صدمت مرتين، الأولى حرب أهلية تشتعل في أفريقيا الوسطى، وقيام أتباع الدين النصراني بقتل وتشريد الآلاف من المسلمين في أفريقيا الوسطى، وتعجبت لعدم معرفتي بوجود دولة اسمها أفريقيا الوسطى، ناهيك عن وجود مجازر ضد المسلمين، وسرعان ما تبين لي السبب، وأنها دولة تحت الوصاية الفرنسية، واذا أرادت فرنسا احتواء الأزمة تحتويها بسهولة، أما الصدمة الثانية عندما بدأت الأخبار تنقل معلومات عن مجازر ضد الروهينغيا الأقلية الإسلامية في أراكان.
أراكان اسم ليس بجديد فقد سمعت هذا الاسم  سابقا، وما زلت أذكر تلك المحاضرة التي ألقاها الشهيد جمال منصور، والشهيد جمال سليم في أحد مساجد مدينة نابلس، مع انطلاق عملية التفاوض بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، حيث تحدث بإسهاب عن صراعات العالم القائمة، وما زلت أذكر كيف كانت كلماته عن مصير فلسطين، وأنها لن تكون الأندلس، كما أن المحتل  الإسرائيلي لن ينجح بجعلها أراكان اثنين، ولكن لماذا عجزت عن إيجاد تفاصيل عن ما يجري باراكان؟ 

لا أنكر إهمالي لفهم ما يجري في أراكان واعتقادي أن الصراع مجرد احتلال أشبه باحتلال الهند لجامو وكشمير، أو احتلال الصين لدولة تركمانستان الشرقية، وربما هي دولة صغيرة يوجد بها صراع وحروب ولكن لصغرها وانعزالها لم نسمع عن تلك الحرب كما هو الحال في حرب استقلال الشيشان عن روسيا، ومع هذه القناعة في ذلك الزمان غابت أراكان عن ذاكرتي.
ورغم تقدم العلموتطور وسائل الاتصال وتواصل، لم أذكر حدثا نُقل عن أراكان لوقت قريب، عندما بدأت تصل صور ومقاطع فيديو لحرق أطفال ورجال ونساء وهم أحياء، على يد مجموعات من البوذيين، وسرعان ما بدأت المقاطع الفيديو تنتشر لعمليات قتل وتشريد وحرق البشر ومساكن، وسرعان ما أخذت القضية الروهينغيا المضطهدة، حيزا على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، و اليوم فقط علمت لماذا قال الشهيد جمال منصور: فلسطين لن تكون أراكان، فصراع  قارب على ثلاثمائة عام، ولا يعلم عنه أحد، قتل وتشريد وصمت مخزي من الدول العربية والإسلامية، تعجز الكلمات عن وصف ما يجري في أراكان، وصورة المحمولة أصعب من أن توصف، فلماذا تصمت جمعيات حقوق الإنسان؟ أم أن القتيل مسلم فلا تشغل بالك؟ لماذا لم نشاهد دولا ترسل جيوشها الجرارة لحماية الأقليات؟ بل أين جوش العربية التي لم تتردد في قتل شعوبها؟ أي جيوش التي تسعى إلى محاربة الإرهاب فسيرة جيوشها إلى اليمن وتقصف في ليبيا وسوريا؟ يا دول العار أعجزتم عن اتخاذ موقف سياسي على الأقل، ولا نريد حصار كحصار قطر.
وما يزعج عندما يصل إلى يديك خبر عن مجزرة جديدة، وهي بالمئات ويخرج عليك من يكذب، ويدعي التزوير في الأخبار، ويدعي أن الهدف من الخبر هو جر الدول العربية إلى صراع لا ناقة لها به ولا جمل، أو تشجيع الشباب إلى المسير إلى أراكان لنصرة الروهينغا فيكون مصيرهم بيد الحركات الاسلامية الإرهابية، وهل نصر المستضعفين إرهاب؟؟ نعم صحيح لقد فاتني أن هذه الدول لم تتردد بوصف حركات التحرر الإسلامية في فلسطين بالحركات الإرهابية، وإذا كانت حماس وغيرها من الحركات الإسلامية إرهابية وهي التي تدافع عن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، فما بالك بمن يدافع عن الروهينغيا، و أراكان لا يوجد بها مقدس واحد إسلامي، وهنا نتساءل هل على الروهينغيا اكتشاف النفط أو أحد المعادن النفيسة حتى تحظى باهتمام دول العالم؟، أو ربما يجب عليهم استقدام داعش، وأخواتها كي تتحرك دول العربية والغربية لإخراج داعش وأخواتها، ثم تبحث بين الروهينغيا على من تعتبرهم معتدلين وتحميهم من قتل البوذيين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها