السيسي وكرونوس ونبوءة الخوف

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

 الخوف : انفعالٌ في النفس يَحدُثُ لتوقُّع ما يرد من المكروه . ويرتبط الخوف في الغالب بسلوكيات محددة من الهرب والتجنب كجزء طبيعي من ردة  الفعل على تلك المخاطر ، في حين أن القلق هو نتيجة لتهديدات لا يمكن السيطرة عليها أو لا يمكن تجنبها . وبالتالي فإن القلق هو الشعور غير السار بالخوف والجزع من أحداث متوقعة.

 يمكن  للخوف أن  يُستخدم  سياسيا  كأدوات قوية للتلاعب النفسي من قبل الأنظمة الاستبدادية بهدف إقناع المواطنين بقبول أفكار أو قرارات تلقى رفضا شعبيا واسع النطاق أو التخلي عن بعض المعتقدات السائدة.

تقول اون سان سو تشي، زعيمة المعارضة في بورما والحاصلة على جائزة نوبل للسلام من أجل دعمها للنضال اللاعنفوي : ” ليست القوة التي تفسد ولكن الخوف. الخوف من فقدان السلطة يفسد أولئك الذين يمارسونها والخوف من ويلات السلطة يفسد أولئك الذين يخضعون لها.”

 من الواضح تماما إنّ الخوف من فقدان السلطة كان دائما القوة الدافعة وراء نزوع الحكومات المستمر نحو الشمولية والاستبداد.

في حين يقول السير ونستون تشرشل ، سياسي بريطاني شغل منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة: ” أَنَّكَ تَرَى أُولَٰئِك الديكتاتوريين محاطين من كل جانب بحراب الجنود وهراوات الشرطة التابعة لهم وتحرسهم جماهير من الرجال المسلحين بالمدافع والطائرات…. ويتفاخرون بأنفسهم أمام العالم ، ولكن في قلوبهم خوف غير معلوم . إِنَّهُم يَخَافُونَ من الكلمات والأفكار…. يبذلون جهودا حثيثة  لمنع أفكارنا وكلماتنا…. إِنَّهُم يَخَافُونَ من فعل العقل البشري.”

بالحديث عن الخوف وعن الديكتاتوريين، فقد دعا مؤخرا قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي الإعلام في بلاده إلى تصدير “فوبيا إسقاط الدولة” إلى الشعب المصري. مشيدا بدور الجيش في مواجهة مساعي هدم الدولة المصرية خلال الفترة الماضية. وجاءت تصريحات السيسي خلال مشاركته لليوم الثاني في المؤتمر الرابع للشباب بمحافظة الإسكندرية شمالي البلاد، بحضور مسؤولين بارزين في الدولة، بينهم رئيس الوزراء شريف إسماعيل.

في كتابه القاموس التاريخي للتنوير ، يرى هارفي تشيسيك إنّ الوطنية تشتمل على مجموعة من المفاهيم المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمفاهيم القومية. وبهذه الرؤية نستطيع القول إنّ الوطنية تفتج مجالا لـ ” الجينغوية ” وهي  الشوفينية المتطرفة أو القومية في شكل سياسة خارجية عدوانية. وهي أيضا الدعوة إلى اللجوء للتهديد أو القوة الفعلية بدلا من العلاقات السلمية لحماية ما يُفهم أنه مصالح قومية. يمكن اعتبارها مظهراً شديد التطرف من القومية.

 لقد أَشَرْت في مقالات متعددة إنّ الحركات القومية لديها ميول متجانس نحو التطرف والفاشية. وبالتالي الشعب المصري لا يحتاج إلى أيديولوجيا محنّطة فِي إِطارِ “الدولة الوطنية في الشكل الكلاسيكي” والتي تدفعه نحو المزيد من التقوقع والانغلاق والتطرف ، بقدر ما يحتاج  إلى نيل حقوقه المدنية والسياسية ، وتأسيس الدولة الوطنية الحديثة “دولة المواطنة والقانون”، حيث يتم فيها تحديد وظيفة الدولة في تحويل الصراعات الاجتماعية من دائرة العنف إلى دائرة التوافق من خلال تعزيز ثقافة المواطنة والانفتاح والتسامح وقبول الآخر.                                                                                                 

علينا أن ندرك أن الشوفينية الوطنية، وثقافة الخوف، والتلقين، والتحريف أو التضليل الإعلامي، وكراهية الأجانب، وغيرها من التقنيات كلها أدوات فعالة تستخدمها الأنظمة الشمولية لتقوية القبضة الحديدية على الشعب من أجل البقاء والاستمرارية في الحكم والسلطة.

 يبدو أن عبد الفتاح السيسي يسعى إلى استغلال الخوف من “سقوط الدولة” كجزء من حملته الانتخابية الرئاسية. ويعتقد علماء النفس وعلماء الاجتماع إنّ الدكتاتوريين يسعون دائما  إلى  نشر الخوف بين شعوبهم من أجل صناعة صورة الزعيم الوطني المخلص والقوي القادر على محاربة أهل الشّرّ والفتن والقضاء عليهم والمحافظة على مؤسسات الدولة وهيبتها.

 ظاهريّاً  يريد عبد الفتاح السيسي للشعب المصري أن يعاني من “فوبيا سقوط الدولة” من خلال إقناعهم بوجود مؤامرة كونية تستهدف الدولة المصرية ومحاولات للإطاحة بها. وكما نعلم جميعا، الرهاب أو الفوبيا هو نوع من اضطراب القلق.  يبدو  إنه غير قادر على التمييز بين الدولة والحكومة  لأنه باطنيا يرى نفسه الاثنين معا ، الدولة والحكومة. فإذا كان السيسي فعليا يؤمن أو على الأقل يعتقد بوجود مؤامرة تستهدف الدولة المصرية فهو مجرد متوهم و يخدع نفسه.

ومن الواضح جدا أن عبد الفتاح السيسي يشعر بالخوف من ثورة يقوم بها شباب مصر للإطاحة به ودعوته إلى “فوبيا سقوط الدولة ” تؤكد على حجم الخوف الذي يتملكه.

يقول الكاتب الأمريكي غريس جامي: “إنّ الإنسان وبحكم طبيعته ليس مخولا للحصول على كلّ ما يشتهي. وحين نفكر أَنَّنَا تلقائيا نستحق الحصول على ما نريد عندها نكون مستعدين لندوس على أي شيء من أجل الحصول عليه.”

إنّ رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والذي  وصف نفسه بأنه طبيب كل الفلاسفة، يؤمن إيمانا وثيقا بأنه يستحق عن جدارة وبلا منازع رئاسة مصر. وبالتالي فهو مستعد لفعل أي شيء لاكتساب هذا الحق مثله مثل بقية الحكام الديكتاتوريين الذين حكموا بقوة السلاح وتفننوا فى سجن وقتل وكبح معارضيهم.

إنّ هواجس الخوف التي تطارد عبد الفتاح السيسي تذكرنا بهواجس كرونوس.

كرونوس في الميثولوجيا الإغريقية وحسب هيسيود هو ابن غايا الأصغر من أورانوس وهو قائد الجبابرة، وإله الزمن حين كان ينظر إليه باعتباره قوة مدمرة. حكم الكون خلال العصر الذهبي. وتزوج  ريا، ابنة أورانوس، إله السماء، وغايا آلهة الأرض. وهو يطابق في الميثولوجيا الرومانية الإله زحل.

تقول الأسطورة إن غايا آلهة الأرض قد حرضت ابنها  الأصغر كرونوس على أن يخصي والده أورانوس وقد أَعْطَته منجلا لأداء تلك المهمة ويحرر إخوته الجبابرة من تارتاروس حيث حبسهم والدهم أورانوس.

بعد هذه الحادثة،  أصبح كرونوس حاكم الكون ومؤسس العصور الذهبية . واتخذته ريا زوجا لها. وقد تنبأت بقيام أحد أبنائه بالإطاحة به . ولخوفه الشديد أن تتحقق النُّبُوءَة  كان يبتلع أولاده الذين تلدهم ريا عقب ولادتهم.

 حين أَنْجَبَتِ ريا زيوس لجأت إلى الحيلة لإنْقَاذ طفلها الرضيع ، حيث قامت بإعْطَاء كرونوس حجرا مقمطا كرضيع ليبتلعه ، وبلهف شديد قام بابتلاعه دون أن ينتبه للخدعة. أما زيوس فقد خبأته في مغارة جبل أيغائيون ، حيث ترعرع واشتد عوده واستطاع لاحقا أن ينتصر على والده.

 وهنا أود التأكيد على أن ثورات الربيع العربي لا تزال في طور النمو والتطور ، وأن الشباب هم ارادة التغيير والمستقبل. فقد برهنوا على استعدادهم وتحمسهم الكبير للتضحية من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. فطوبى لكل الشهداء الأبرار الذين أضاءوا سماء الوطن.

 مُنيرْ مَزيِدْ

شَاعِرٌ وَأَدِيبٌ عَرَبيّ مُقِيمٌ فِي رُومَانيِا.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها