من الأقصى الى الثورة السورية

تحت أحذية أهل بيت المقدس تحطمت الأبواب الإلكترونية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي وفتحت الأبواب المغلقة للمسجد الأقصى وأزيلت كاميرات التلصص والتحكم من حوله.

يستدعى الانتصار الذي حققه المقدسيون التأمل والوقوف عليه كثيرا، ربما يكون فيه زاد لنا في ثورتنا التي نبحث لها عن مخرج نلم فيه شتاتنا ونحافظ من خلاله على مطالبنا التي انطلقت معها ثورتنا.

نبدأ من مشهد البداية حين منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى، واتخذت عدة إجراءات أمنية عقابية وذلك إثر اشتباكات أسفرت عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين ومقتل إسرائيليين. وصف خطيب الأقصى عكرمة صبري هذه الإجراءات بأنها غير مسبوقة منذ الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس عام 1967. مع متابعتي لتطورات الأحداث في فلسطين، ظننت -مع إن بعض الظن إثم-أن هذا الحدث كاف أن يهز أركان الأنظمة العربية وأن تهب رافضة هذا التطور الكبير والخطير في مسار القضية الفلسطينية خاصة أن المسجد الأقصى لا يمكن أن يحسب أو يحسم ضمن صفقات التفاوض الثنائي لأنه بمنتهى البساطة ملك المسلمين في العالم كله.

 وكما كانت الثورة السورية كاشفة وفاضحة لكل الأنظمة التي تدعي حماية الحقوق والحريات، كانت كذلك أزمة المسجد الأقصى هذه. فلم نسمع صوتا لا لحزب الله ولا لإيران، فلا فيلق للقدس صنع من أجل القدس ولا بشار له علاقة بالممانعة، وتوحدوا كلهم تحت راية قتل الشعب السوري وكأنهم يرون أن تحرير الأقصى يبدأ من إبادة هذا الشعب والقضاء عليه، وهذه هي ورقة التوت الأخيرة التي كانت تخفي عوراتهم وصلتهم بقضايا الآمة.

 أما المرابطون من أجل الأقصى فأرسلوا لنا الكثير من الرسائل التي تحتاج إلى القراءة والوقوف أمامها ومطابقتها لمسيرتنا السورية، فرسالتهم الأولى بسيطة ودقيقة وهي أن الحل بأيدينا، وأيدينا فقط؛ فلم يهتموا بالمجتمع الدولي وآلياته، لم يبحثوا عن مواقف الدول، لم ينتظروا تصريحا من دولة أو دعما من أخرى بل أخذوا زمام المبادرة وقالوا نحن المبتدأ والخبر من هنا ننقش الحروف على جدران الزمن بأيدينا ولو كانت خالية.

ومن رسائلهم أنهم لم يقبلوا بالحلول الوسط فللنصر طرق عدة ونتيجة واحدة، لا تختلف النتيجة باختلاف الطريق، فكل ما لا يؤدي لتحقيق المطالب كاملة فهو طريق خطأ والمسير فيه حرام، والوقت جزء من النجاح أو الفشل فالمسكنات لا تجلب شفاء وإنما تفضي إلى الموت بهدوء. لسان حالهم يسأل لماذا ننفض ونترك الأرض طالما لم نأخذ كل ما نريد؟ ما معنى أن نقبل بالحلول الوسط ونحن في أيدينا الحل وأدواته؟ ما قيمة الحياة إذا ضاع الأقصى؟ ما قيمة الحياة إذا لم نعش بحرية؟

على الرغم من تعدد الفصائل في الشارع الفلسطيني، لم نسمع عن فصيل يبحث عن مكسب على حساب فصيل آخر، فالآزمة وحدتهم، وحدة قلوبهم وفعلهم، وحدت حركتهم وسكونهم وأصبح الجميع يعزف على وتر واحد.

رغم حساسيته إلا أن الجميع يحافظ على هذا الوتر أن يظل مشدودا فلو قطع فلا قيمة لفصيل أو زعيم.

وهذا ما نرى نقيضه تماما في مسار الثورة السورية، فمع كل أزمة تمر بالثورة لا يخطر ببال أحد عدم توحد الفصائل في الفعل والقول وأن يرفع الجميع مصلحة سوريا أعلى من علم فصيله، إلا أننا نجد أن الراية تنقسم للرايات، وكل راية تبحث عن القضاء على باقي الرايات، لا يفرق معهم هل هذا يصب في مصلحة أعداء ثورته أم لا؟ المهم مصلحة الفصيل الذي إن لم يتم القضاء عليه في هذه الأزمة فسيقضى عليه لا محالة في الأزمة القادمة، وكل من ينجو يرى في نفسه البطولة والأمل والباقي خونة يجب القضاء عليهم.

 وعلى الرغم أن الأزمة دينية بامتياز إذ تتعلق بغلق المسجد الأقصى فلم نر أو نسمع شرعيين يتحكمون في حركة الشارع المقدسي، إنما كان الجميع يسأل نفسه ما الذي يجب عليه أن أفعله؟ ولا يهتم بما الذي يجب أن يفعله الآخرون، ولا يكرس وقته وجهده للجلوس وانتقاد غيره سواء كان يعمل أو لا يعمل.

لم نسمع عن أحد ذهب منفردا لا يمثل إلا نفسه يتفاوض باسم الجميع ويعطي ويمنع وكأنه معه تفويض بل لزم الجميع حركة وتحركات كل ما يصل إلى تحقيق الهدف دون تنازل.

القائم بأعمال قاضي قضاة فلسطين بالقدس تلا بيان النصر داعيا كل من يستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى الدخول إليه بشكل جماعي وإلى ساحات المسجد المبارك.

وفي هذا رسالة قيمة جدا، إذ لم يتقدم سياسي من فصيل ليتلو البيان ويعمل على حصد ثمار حركة وتضحيات الشارع، لم يزايد عليه أحد، ويقول ولماذا يقوم هو بالدعوة؟ الجميع استجاب لدعوته ودخلوا إلى باحات المسجد الأقصى المبارك مهللين مكبرين.

في النهاية نجد أن كلمة السر الكاسرة لكل القيود والمحققة للنصر الأكيد هو الثقة بأنفسنا وأننا قادرون على تحقيق النصر الذي يحتاج إليه الشعب السوري ودفع ثمنه غاليا ولم يحصل عليه بعد.

بوابات الصالحية بعاصمتنا دمشق ليست أشد غلقاً من بوابات المسجد الأقصى ولكن تكمن أزمتنا هنا فيمن يريد أن يفتح الباب.

بكل يد مفتاح وكل يظن أن مفتاحه هو الذي يفتح المغاليق، ويتغافل الجميع أن الصالحية ليس لها باب مغلق حتى نبحث له عن مفتاح، إنما باب الصالحية وباب تومه وكل أبواب دمشق تنتظر فقط أن ندخلها يداً واحدة بمشروع واحد ورؤية واحدة وبقلب واحد وحركة واحدة.

تنتظر أن ندخلها بمشروع وطني نابع من قدراتنا وقوتنا ليس هبة من مجتمع دولي بل الشعب السوري هو من يحدد الحركة والمطالب ويحدد البداية والنهاية.

أيها المرابطون العزل نشكركم فقد تعلمنا منكم الدرس وباقي علينا التطبيق والعمل وما أبواب دمشق بعيدة على الفتح بعد فتح أبواب المسجد الأقصى.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها