صبحي كابر وسيكولوجية المصريين

كل هذا لا يقلل من مطعم صبحي كابر الذي استطاع أن يتربع على مزاج المصريين الشهي وصار ظاهرة تستحق المتابعة والدراسة.

شاب في العشرينيات من عمره يقف متسمرا  يلوح بيده عاليا وسط الجموع حتي يراه المسؤول عن حجز ” ترابيزات” الطعام  يصارعهم ليكون الفائز بـ”الترابيزة” التالية مع رفقته التي اختارته لإنجاز تلك المهمة الصعبة دون غيره ثقة به وهي ثقة كبيرة لا يحصل عليها سوي القليل من أصحاب الصبر والمثابرة و البنية الجسدية التي تساعدهم في إنجاز المهمة.

و هنا السؤال كيف أقنع صبحي كابر الآلاف من المصريين ومنهم هذا الشاب بالانتظار لساعات للحصول علي وجبة طعام سيدفع ثمنها علي كل حال بينما هناك مئات من المطاعم التي يعرفها الشاب ذاته تقدم نفس الخدمة دون ساعات انتظار، في هذه السطور أعدك صديقي بمحاولة الإجابة علي هذا السؤال.

بعد كفاح كبير أقتنص بطل قصتنا دوره في الجلوس علي إحدى طاولات المطعم أو الشارع إن أردت الدقة وهنا تغيرت أحواله من الغضب إلى الهدوء و من الضيق إلى السعادة و شعر وكأنه القائد المظفر الذي أتى ليحرر “شبرا” من المحتل،انتهى من طعامه وهم بالمغادرة فسألته “وكنت أعتقد أني أعلم الإجابة بطبيعة الحال” … هتيجي تاني يا كابتن بعد كل ده!! ؟ استدار لي باندهاش مع قليل من الغضب كأني ذكرت والديه الكريمين بسوء: آه طبعا  هاجي تاني… أنا باجي هنا على طول.

استعرت اندهاشه و تركت له غضبه وسألت نفسي.. أليس هو نفسه الشاب الذي كان يشتاط غضبا قبل أن تفتح شبرا له أبوابها و يحصل علي طاولة لرفقته”.

أمام محطة مترو مسرة ترى “التوك توك ” وسيلة المواصلات الأولى للحواري المصرية في انتظارك.. تركب وينطلق بك قائدها ربما دون أن يوجه لك سؤاله الشهير: علي فين يا أستاذ؟ فقد علم الإجابة من كثرة مريدي مولد الشيخ صبحي كابر و قبل أن تصل للهدف يشير إليه كل شيء تقابله و منها قوافل المغادرين الذي أنهوا للتو مغامرتهم، و قوافل الطامحين بمتعة ورقة اللحمة والريش علي الفحم، و كلما اقتربت تشعر أن هناك فرحا شعبيا كاملا في انتظارك وليس مطعما كما تظن، حالة مختلفة تعيشها فتجد اللحوم معلقة أمام عينيك و الجزارين يقومون بتقطيعها وتجهيزها وعلى الجانب الآخر الطهاة يتفننون في إعداد طلبات الحضور  بينما عشرات الشباب العاملين بالمطعم ينطلقون برشاقة متناهية وسط الزبائن لتوصيل الطعام، وفرن الخبز لا يتوقف أبدا حتي يجاري الأعداد الكبيرة من الحاضرين و حالة الزحام التي تشبه الموالد، كل هذا وأكثر يندرج تحت مصطلح “عيش الحالة ” الذي قد يدفع البعض للذهاب إلى هناك للدخول لبضع ساعات في تلك الحالة إن جاز التعبير.

في مطعم أخر يختلف في كل شئ عن صبحي كابر يدخل الشاب نفسه بكل سلاسة يتأمل عشرات طاولات الطعام التي اصطفت في انتظاره يحتار قليلا ثم يختار أحدها في زاوية المطعم فيزداد الأمر هدوءا، ينظر لقائمة الطعام و يختار ما يريد و ينتظر دقائق معدودة حتي يأتي إليه مصحوبا بابتسامة كبيرة من أحد مشرفي المطعم قائلا: شرفتنا يا فندم. علي خلاف ما يحدث في على أرض شبرا من صراع و انتظار من أجل الحصول علي مقعد وكأنه مقعد الأمين العام للأمم المتحدة رغم وجود  تشابه بينهما فالاثنان ينددان فقط دون اتخاذ أي إجراء فتجد بطل قصتنا قبل انتزاع مقعده يوجه النقد للمطعم وللعاملين به ولصديقه الذي اقترحه عليه و لكابتن مجدي عبد الغني صاحب هدف مصر في كأس العالم و أما المندد الأخر فنعلم جميعا ما يفعله، فربما يبحث الشباب عن كسر حالة الملل والرتابة و التمتع قليلا بالزخم والشغف…  ربما.

الظروف الاقتصادية المريرة التي نمر بها جميعا لا تمنع شريحة من المصريين من التمسح بما يطلق عليه “البرنداتفتجد من يذهب لإحتساء كوب نسكافيه من أحد فروع “ستاربكس” ثمنه أضعاف سعره الطبيعي و لكن ربما صورة له على ” إنستغرام ” بصحبة الكوب المزين بـ “لوغو” الشركة  المميز تستحق ذلك من وجهة نظره” ومصطلح “البراند” لا يطلق علي الشركات الكبيرة ذات الفروع فقط بل قد يحصل عليه كل من يقدم خدمة تلقى رواجا وإقبالا كبيرين وبإعتبار هذا صحيحا فإن البعض يتعامل مع “صبحي كابر” بأنه “براند” يزين به حديثه وسط أصدقائه  و”CHECK IN ” يحفر به الذكرى علي حسابه علي فيس بوك وقد يبدأ في الحفر قبل أن يبدأ بتناول الطعام، والبعض يبحث عن “التريند ” ويسير في ركابه حتي وإن كان الأمر لا يهمه، و لكن لمجاراة الأحداث فيذهب للمطعم بإعتباره البريمو الآن على الساحة وعلى ألسنة الكثيرين، لعنة “التريند والبراندأحد دوافع المصريين لقصد مولد صبحي كابر.

كل هذا لا يقلل من مطعم صبحي كابر الذي استطاع أن يتربع على مزاج المصريين الشهي و سار ظاهرة تستحق المتابعة والدراسة فهذه السطور محاولة لفهم تلك الظاهرة و كيفية تحقيق النجاح رغم وجود عوامل كثيرة لا تساعده على ذلك ومنها عدم تمتع العاملين بقدر كاف من حسن التعامل مع رواد المطعم وسوء إدارة تلك الأعداد الكبيرة من الزبائن وسوء الخدمات  المصاحبة لتناول الطعام وليس هجوما عليه ولكنه بحث لمعرفة بعض أسباب هذا النجاح وإن لم تتأثر سلبا بهذه السطور صديقي القارئ وقررت الذهاب لصبحي كابر فأنصحك بتجربة طبق الكبدة باللية.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها