المطرودون من جنة الكرة

لماذا نحب كُرة القدم ؟ ولماذا تُعتبر اللعبة الشعبية الأولي في العالم التي يُمارسها الكُل؟ هُناك إجابات تقليدية مثل أنها مُتاحة لكل الفئات باختلاف طبقاتهم المادية والاجتماعية وأنها لا تعتمد علي القوة البدنية في المقام الأول كذلك أنه يصعُب التنبؤ بما سيحدث فيها مما يُضفي جوا دراميا.

تحليلات عِدّة أطلقها الكثيرون لتبرير الحُب المُبالغ فيه للكُرة ولكن السر يكمن في فكرة الصواب والخطأ، الصواب والخطأ اللذان يُقرران كل ما نفعل لا يستطيعان التحكم في تلك الكُرة ببساطة لأنه ليس لها قواعد يمكن الحُكم من خلالها علي صحة قرار أو عدمه مُتعلق بها وكذلك لأن الكُرة في رأي الكثيرين علم غير صحيح وهنا أصل الحكاية.

بالاعتماد علي تلك الأفكار فإنه لا توجد وجهة نظر واحدة تُمثل اللعبة من الأصل وغيرها يُعتبر خاطئا لأنه ببساطة كُل شئ قابل للتطبيق والتجربة والنتيجة ستظل غير معروفة بالنجاح أو الفشل ! السؤال الأبرز هنا لماذا تُعتبر الكُرة علما غير صحيح؟ الجواب يتعلق بكونها رياضة مُجردة من الأساس ، ولم لا فالكُرة بها جوانب نفسية وذهنية تتحكم بها بنفس القدر الذي تُمثله الجوانب البدينة والفنية، الكُرة تُمثل الحياة علي عُشب أخضر كل شيء مُرتبط بالأخر لا شيء مُنفصلا.

المُدهش هو أنه قد يكون كل شيء علي ما يُرام وبسبب كُرة في العارضة قد تخسر مُباراة أو بطولة، بضعة ملليمترات تتحكم في مصير كأس وبالتالي فمن المُستحيل أن ينجح الكل بطريقة واحدة أو أن للنجاح وصفة نظرًا لغرابة الحالة وبالتالي نحتاج لنظرية أغرب تتمثل في أنه لا توجد نظرية من الأساس.
الجنة
جمال كُرة القدم في كثرة الطُرق التي من الممكن أن تفوز بها دون أن يقوم أحدهم بمنعك من تطبيق إحداها بُحجة أنها غير قانونية فطالما تلعب ب 11 لاعبًا منهم حارس مرمي تستطيع فعل أي شيء وابتكار أي خطة في الملعب للفوز وإذا فزت فقد نجحت وإذا نجحت فإنك إذن كنت علي حق.

ظهر كثيرون مؤخرًا اعتبروا أنفسهم من يملكون تذاكر الدخول إلي جنة كُرة القدم فهم يُحبون طريقة لعب مُعينة – مثلهم مثل الجميع – ولكن بشكل مرضٍ فبالنسبة لهم أي طريقة غير تلك حتي ولو حققت الفوز هي طريقة غير ناجحة أو يبدأون مُسلسلا آخر من الابتذال بأنها طريقة غير مُمتعة.

في الغالب ذلك الصراع الدائر يكون بين مُحبي مُدرب كبير وآخرين فبالنسبة لهم إن لم تتبع نظرته في الكُرة فإنك باختصار لا تصلح لمُشاهدة اللعبة  كذلك كونك مُدرب ليس من تلاميذه  أو لن يشهد له بالكفاءة فأنت مُدرب من الدرجة الثانية حتي وإن حققت كُل شيء.

لا يضع هؤلاء اعتبارات كثيرة في تقييمهم منها الفروقات الفردية بين الناس عمومًا حتي وإن كان هُناك وصفة مُعينة يجب أن يسير خلفها الجميع للفوز وأن كُل المُدربين  مُقتنعون بها فما رأيك باللاعبين؟ هل جميعهم سيستطيع الاستجابة لنفس الطريقة لتحقيق نفس النتيجة؟ كيف؟ هذا يضربالمنطق وأساس اللعبة من الأصل.
قد يعتبر البعض أن الكثير من مُتابعي الكُرة يمتلك تلك الصفات من التعصب لفكرة أو وجهة نظر، تلك رُبما الحقيقة الناقصة فالتعصب أو الاعتقاد بصحة فكرة ليست مُعضلة ولكن الاعتقاد بإلزامية تطبيق تلك الفكرة حتي تنجح دون أي طريقة أُخري تلك هي النظرة الأُحادية لأغلب جمهور الكُرة مؤخرًا.
شرط المُتعة
هذا الفريق غير مُمتع ويفوز بطريقة مُملة، وذلك الفريق يقتل كُرة القدم ويُدافع طوال المُباراة ولا يحق له الفوز، كثيرًا ما ترددت تلك العبارات مؤخرًا عندما يتم التقليل من فريق ما حقق بطولة مع العلم بأنه في الغالب لا يوجد فريق حقق بطولة كبيرة واعتمد فيها علي الدفاع بشكل كُلي وتام، قد يكون الاعتماد علي التراجع في مُباراة وحتي إن فاز فريق يُدافع طوال حياته ما المُشكلة في ذلك؟ المُشكلة بالفعل تبدو في عقل من يُقلل من هذا لأنه وإن أقر بصحة الأسلوب الذي يراه مُناسبًا للكُرة فكيف يكون ذلك الأسلوب صحيحًا وهو لم يستطع التفوق علي أسلوب أحط منه وأقل مُتعة؟
أصبح من الإبتذال استخدام كلمة المُتعة كلما فشلت في تحقيق الفوز كتبرير للفشل علي الرغم من جودة الكُرة التي يُقدمها الفريق الذي يُتهم بالملل  والتي تكون جيدة جدًا في أحيان كثيرة.

الدوريات الكُبرى
نوع آخر من الاحتكار يُمارسه الكثير من مُشجعي الكُرة وهو اعتبار أي دوري مُقدس والكُرة التي تُقدم به هي التي يجب أن تسود العالم وباقي الدوريات حتي يتسني للجميع مُشاهدة العبقرية الموجودة بها ، فالكالتشيو هو جنة كُرة القدم الحقيقية وما غيره اندفاع بدني وفوضى من اللاعبين كذلك البريميرليغ هو مهد الكُرة وما دونه دوريات مُملة نتائجها معروفة مُسبقًا.

كل ذلك مُنافٍ للعقيدة التي جعلت كُرة القدم لعبة عظيمة، اللعبة التي تجعل طفلًا لا يعرف من الدنيا سوي أبويه يبكي مُتأثرًا بمُباراة هي العقيدة أنه يُمكنك أنت ابتكار طريقة ما للفوز وأنك لست مُجبرا لإتباع أحدهم.
يُريدون أن يجعلوا كُرة القدم كما كُل شيء في الحياة تلك الأيام مخصوصًا لبعض الناس وحكرًا لأفكارهم ولكن كل يوم يثبت أنها كانت وستظل ملك الجميع الذين جعلوها الساحرة المُستديرة.  
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها