القضية الوطنية الأولى

لا يختلف عاقلان  أن التعليم هو حاضر الأمة ومستقبلها وأن الأمم العظيمة أولته عناية خاصة، حين قررت أن تضع حدا للأعطاب التي تقف في طريق تقدمها، فمن التعليم يبتدأ التغيير ولهذا ففي البيداغوجيات الحديثة يلخصون الهدف من التربية والتعليم في جملة مقتضبة لكنها عميقة الدلالة “صناعة المواطن الصالح”. 

فالأمة التي تعاني من خصاص في التطبيب تغطي هذا الخصاص (الثغرة) انطلاقا من مدارسها والتي تعاني من ضعف في اقتصادها تعالج هذا الضعف في المدرسة أولا والتي تنفق الملايين من أجل حفظ أمنها يكفيها أن تنفق القليل في تعليم أبنائها لتحصينهم ضد كل أشكال الانحراف، غير أن المشرفين على التعليم في وطننا للأسف يتجاهلون هذه الحقيقة فبعد أزيد من نصف قرن من الاستقلال لا يزال تعليمنا ضعيفا وما زلنا
فاشلين في صناعة المواطن الصالح، ويكفي أن ننظر إلى كل المجالات الحيوية في البلاد لنكتشف هذه الحقيقة المرة، والأدهى من أننا فاشلين أننا لا نملك أدنى رغبة في النهوض.

لقد رصدت الدولة مبالغ قدرت بالملايين لإصلاح التعليم في سياق ما سمي بالمخطط الاستعجالي والذي عرفه الوزير أحمد خشيشن على أنه: “عبارة عن رؤية متكاملة قابلة للإنجاز في ظرف وجيز”،صنف المخطط في خانة المستعجلات بالنظر إلى حالة التردي التي عرفها التعليم آنذاك (2009). واليوم بعد مضي ثماني سنوات على إطلاق المخطط المذكور نهبت الملايين التي صرفت على المشروع والتي دفعها المغاربة من كدهم وعرقهم، وتحطم حلم المغاربة في إصلاح تعليمهم. وعوض أن تفكر الدولة بجدية في تدارك الموقف خاصة وأن المغرب يصنف في خانة البلدان الأسوأ عالميا من الناحية التعليمية فقد اتخذت حزمة من التدابير التي ستؤدي إلى كارثة حقيقية. ومن ضمن هذه التدابير تعيين أشخاص من غير ذوي الاختصاص في المجلس الأعلى للتعليم؛ فكان من نتائج ذلك ظهور توصيات كارثية سيعتمد عليها مستقبلا في إصلاح قطاع حيوي لا مجال فيه للعبث والارتجال. الكل سمع اليوم عن إلغاء مجانية التعليم وتدريس الدارجة وتدريس العلوم بالفرنسية وتغيير مناهج التربية الإسلامية وغيرها من التوصيات التي ستجهز على بصيص الأمل المتبقي في النفوس إزاء المدرسة المغربية. 

إن إسناد الأمور لغير أهلها وغياب الرؤية الاستراتيجية في تدبير قطاع التعليم والتخبط في اتخاذ القرارات حيث صرنا نسمع في كل خمس سنوات عن حزمة من التوجهات الجديدة التي تلغي ما سبقها، و تحويل أبناء المغاربة لفئران تجارب لاختبار البيداغوجية الفارقة، وبيداغوجيا الأهداف والكفايات وغيرها من البيداغوجيات كل ذلك سيفضي في النهاية إلى إنتاج مواطن غير صالح وغير مرتبط بوطنه أصلا وهذا ما سنتجرع مرارته في السنوات المقبلة إن نبادر إلى تدارك أخطائنا وعثراتنا التي راكمناها منذ بداية الاستقلال، في قضية أعتبرها من منظور شخصي القضية الأولى و طنيا وبعدها فلنرتب الأولويات. 
إن أي إصلاح يجب أن يرتكز على أمرين أساسين لا ثالث لهما، أولا:
لا يمكن أن يعهد لمهندس بتدريب فريق كرة قدم، أو لبناء بتطبيب الناس؛ لذا فإصلاح التعليم يجب أن يتم بواسطة رجال التعليم فهم أهل مكة و هم أدرى بشعابها، فالخطأ الذي ما فتئت تقع فيه الحكومات المتعاقبة هو إيلاء مسؤولية القطاع لرجال سياسة لا يقربون للتعليم من قريب ولا من بعيد .

أما الأمر الثاني: فهو ملائمة الإصلاح و التوجه العام للمملكة، إذ لا يصح إدخال تعليمنا في متاهات لا جدوى منها، بل أبعد من ذلك قد تهبط بنا سبعين خريفا نحو القاع، فمثلا: إدخال اللهجة العامية وتبنيها كلغة للتدريس أمر فارغ من أي قيمة مضافة بل وأبعد من ذلك قد يكون النقطة التي ستفيض الكأس. 

ختاما: إننا أما تحد نكون فيه أو لا نكون، لذا وجب علينا أن نشد الهمم و أن نتخذ قرارات مصيرية. فلا نبالغ حين نقول أن التعليم هو حاضر الأمة ومستقبلها وأن الأمم العظيمة أولته عناية خاصة، حين قررت أن تضع حدا للأعطاب التي تقف في طريق تقدمها، فمن التعليم يبتدأ التغيير. ولهذا ففي البيداغوجيات الحديثة يلخصون الهدف من التربية والتعليم في جملة مقتضبة لكنها عميقة الدلالة “صناعة المواطن الصالح”.
فالأمة التي تعاني من خصاص في التطبيب تغطي هذا الخصاص انطلاقا من مدارسها والتي تعاني من ضعف في اقتصادها تعالج هذا الضعف في المدرسة أولا، والتي تنفق الملايين من أجل حفظ أمنها يكفيها أن تنفق القليل في تعليم أبنائها لتحصينهم ضد كل أشكال الانحراف، غير أن المشرفين على التعليم في وطننا للأسف يتجاهلون هذه الحقيقة فبعد أزيد من نصف قرن من الاستقلال لا يزال تعليمنا ضعيفا وما زلنا فاشلين في صناعة المواطن الصالح. ويكفي أن ننظر إلى كل المجالات الحيوية في البلاد لنكتشف هذه الحقيقة المرة (الصحة، الصناعة ،النقل ،الصيد البحري ،الإدارات) والأدهى من أننا فاشلين أننا لا نملك أدنى رغبة في النهوض.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها