في الزنزانة 2

وما زال الدعاء والقرآن رفيقي، دخلت الزنزانة متخوفة من سوء المعاملة ومن التوصية للتشديد علي، كما كان ضباط المخابرات يتوعدونني، ومن تجربة أخوات سبقنني، من حرمانهن حتى من الماء، ومن الأدوات الصحية الضرورية ومن امتهان حجابهن.

لذا كانت الدعوة ” اللهم سخر لي برهم وفاجرهم

وكانت الإجابة مع أول ليلة لي في الزنزانة ، فقد ناولني شاب عربي هناك قنينة ماء عذبة باردة تروي حر الظمأ في هذا الصيام ، مع فطور تلك الليلة .

مكثت أربعة أيام وحيدة في زنزانتي، زنزانة قذرة بكل ما تعنيه الكلمة ومرحاض متعفن وفراش متسخ، ولكن لا زالت تلك الدعوة تستجاب، فقد وفروا لي أدوات التنظيف وأغطية ومناشف نظيفة وأدوات صحية وكل ما احتجت وأنا أتعجب من التراخي في التعامل.

وفي اليوم الخامس جلبوا للزنزانة سجينة مدنية، هي صبية في مقتبل العمر، قد نال منها الجهل، وانحطاط الخلق ما نال، ولا صلاة ولا صيام، ولا معرفة بأدنى مسلمات هذا الدين، دخلت علي زنزانتي الساعة الثانية عشر ليلا، تعرفت إليها سريعا.

وبقيت على دأبي وعادتي من القرآن والذكر والدعاء.

وهي تستمع ، فإن صمتت قليلا، طلبت مني أن أستمر.

وللحق؛ بالرغم من كل ظروفها وبالرغم من جهلها المدقع في الدين والقراءة والكتابة والأخلاق، إلا أنها طلبت مني أن ارتاح لتقوم هي على نظافة المكان وشطفه وتوضيبه، فكانت تقول لي: يا أم أحمد، أنت ارتاحي فقط.

هو السجن مدرسة يوسف؛ فلا بد أن يكون ميدان دعوة وتوجيه وإرشاد.

جولة سريعة معها ومع القرآن، فإذا بها لا تحفظ إلا الفاتحة، فحفظتها الناس والفلق والإخلاص والكوثر والنصر والعصر، ودربتها قليلا على القراءة.

وبعض الدروس عن الأقصى ومكانته .

وكان في الزنزانة مصحف، كانت تمسكه وتدعو بدعاء غير مسموع وتفتح المصحف بشكل عشوائي وأول آية تقابلها كانت تقرؤها لي وتطلب مني شرحها.

ومع كل تمديد للاعتقال، كنت أحتسب الأمر فداءً للأقصى، وأقول لعل رسالتي في السجن لم تكتمل .

ومرة أخرى وككل مرة، لعل آيات الذكر تحيي قلوبا ميتة وتسمع آذانا قد صمت.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها