نظاراتي الشمسية والمنطق المقلوب.

لطالما كرهت استعمال نظاراتي الشمسية. على الرغم من حاجتي إليها في بعض أوقات العام لأغراض طبية فإنني أتحاشى استعمالها ما استطعت، ببساطة شديدة أشعر بها تخدعني وتضللني، وأعتقد جازمة بأنها تحجب عني رؤية حقيقة الأشياء.

لا أجد مبررا أيا كان لأحرم نفسي من رؤية زرقة السماء الصافية أو أن أمتع ناظري بخضرة الأشجار اليانعة وما تتركه في خاطري من تفاؤل وانشراح، كما أنني أهوى متابعة اللوحات الإعلانية على طوال الطريق بألوانها الزاهية الجذابة وتصميماتها المبتكرة التي قد صممت خصيصا لتخطف الأنظار فلماذا أعمد أنا إلى تغييرها عبر النظر إليها من خلف عدسات نظاراتي الشمسية القاتمة؟ والسؤال الأهم هو: هل تتساوى الفائدة المرجوة من وضع النظارات الشمسية مع الخسارة المترتبة على وضعها؟؟

وبصرف النظر عن نظاراتي الشمسية تلك وصراع عدساتها مع الألوان، فإن العجيب في الأمر انني أدركت لاحقا بأن ما يحدث معي عادة في كل صيف بشأن هذه النظارات هو ما يحدث معنا يوميا في مواقف متعددة قد تختلف أركانها، لكن المبدأ واحد “الحماية مقابل الخسارة. لا عروض مجانية في الأمر”.

تريد أن تحمي عينيك من عوامل الحرارة والمناخ فتخسر بالمقابل جمال الألوان وروعة الطبيعة ولذة النظر إليها، تريد أن تحمي جسدك من الإيذاء والإصابات فتفقد بهذه الحماية فرصة تعلم وممارسة أنشطة جديدة لم تمارسها من قبل، تريد أن تنأى بنفسك عن الشعور بالضعف أو قلة الفهم فتخسر فرصة تعلم أشياء جديدة واقتحام مجالات متنوعة لا حدود لها في هذه الحياة، تقلق دائما من الشعور بالخسارة والفشل فتفقد حماستك بخوض تجربة جديدة، إنها حقا معادلة صعبة فأين تكمن المشكلة؟ إنها في جوهر هذه الحماية المزعومة، فهل هي حماية حقيقة ( سواء أكانت مادية أو معنوية) أم أنها عبارة عن وهم نحن صنعاه وصدقناه؟.

أعرف أحدهم فقد أحد أشقائه غرقا عندما كان طفلا صغيرا فما كان منه إلا أن حرم أطفاله من متعة تعلم وممارسة السباحة لاحقا فقد سيطر عليه الشعور بالخوف والرغبة الجامحة في حمايتهم من الخطر وقد استدعى الأمر سنوات طوال مضت إلى أن رضخ واستجاب لرغبة أبنائه بضرورة تجاوز الأمر، كان الأجدر به أن يتخذ أسباب النجاة بتعليم أبنائه هذه المهارة وليس بحرمانهم منها، ولو أنه تعمق في الأمر قليلا لأدرك حقيقة أن فقده لأخيه لم يكن بسبب سعيه لتعلم السباحة، إنما عكس ذلك تماما، فقد غرق لعدم ممارسته السباحة مع عدم اتخاذه أسباب السلامة والنجاة.

نحرص في كثير من الأحيان دون إدراك أو وعي حقيقي منا على المضي في دروب مألوفة وتتبع خطى واضحة لمن سبقونا، ليس لاقتناعنا التام بها بل لأنها فقط بدت آمنة في أعيننا، نريد أن ننأى بأنفسنا عن أي احتمالية للخطر أو الخسارة أو حتى مجرد التعب والألم في بعض الأحيان، فنضع محددات وشروطا ومواصفات واعتبارات كثيرة نقلل عبرها من فرصنا في هذه الحياة ونضيق خياراتنا إلى أقصى حد ممكن، ومن ثم نتساءل بتعجب لماذا خسرنا كل هذا الوقت دون أن نتعلم شيئا جديدا أو نطور مهارة ما أو نحدث أي تغيير مهما كان نوعه في واقعنا، إنه الصراع الوهمي الذي ابتكرناه وأقنعنا أنفسنا من خلاله بأننا هكذا في سلام وأمان وراحة وبأن الظروف والأقدار هي التي لم تساعدنا في شيء.

كلنا معرضون لـظروف استثنائية قاهرة قد تعيقنا في بعض مراحل الحياة، لكنني لا أتحدث هنا عن هذه الحالات

إنما قصدت أيام حياتنا العادية التي تمضي وتتسلل عبرها السنوات بهدوء في غفلة منا، لا أدعو إلى أن نلقي بأنفسنا الى التهلكة إنما عنيت أن نفسح المجال قليلا لأحلامنا وآمالنا لأن ترى النور وأن نتنازل بعض الشيء عن منظومة الحماية النفسية والمادية التي أرهقنا أنفسنا بها.

الكون كله بكامل محتواه يتغير تدريجيا حيث يأتي التغيير حصيلة لسلسلة متتابعة من المعطيات والأحداث والتجارب حتى وان كانت خفية، وهكذا نحن، إن اردنا ان نضيف او نطور شيئا ما في حياتنا وعملنا أو أنشطتنا اليومية أو سلوكنا المعتاد فلا مناص من البدء والمحاولة والتجربة وطرق جميع الأبواب، ولا بأس من شعور المغامرة قليلا… بلا قيود وهمية أو مخاوف لا وجود لها.

أما فيما يتعلق بنظاراتي الشمسية فقد قررت أن أضعها في بعض الأيام أو عند الشعور بالحاجة الشديدة لذلك فقط، لا ضير من بعض الاحمرار أحيانا مقابل الاستمتاع بألوان حقيقية للطبيعة من حولنا، ثم إنه كما هو الحال دائما في أمور حياتنا كلها هناك بعض الحلول المختلفة التي نخفف بها من تلك الآثار. كل الآثار التي نخشاها لها ما يخففها أو يداويها أو يقضي عليها تماما.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها