القمم لأهل الهمم

لتحقيق علو الهمة يجب المحافظة على الطموح الكبير المستمر بالوصول إلى الأحسن وعدم الرضا عن النفس مهما فعلت، والاقتناع بأن من يتفوقون من الزملاء ليسوا أفضل منا وباستطاعتنا اللحاق بهم.

لقد انتشرَ كثير من قصصِ أَصحاب الهِمَم العالية الذين حقَّقوا نجاحات وإنجازات في كثير من الأمور والأعمال، وهناك الكثير من أصحاب الهِمَم العالية الذين لم يَذكرهم التاريخ ولم تُنشر قصص نجاحهم، ولا يضرُّهم ذلك ما داموا قد حقَّقوا أهدافَهم ووصلوا إلى مُبتغاهم.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر كان لاختراع المصباح الكهربائي قصَّة مؤثِّرة في حياة أَديسون؛ ففي أحد الأيام مرضَت والدتُه مرضًا شديدًا، وقد استلزم الأمر إجراءَ عمليَّةٍ جراحيَّة لها، إلَّا أنَّ الطبيب لم يتمكَّن من إجراء العملية؛ نظرًا لعدم وجود الضَّوء الكافي، واضطرَّ للانتظار حتى الصباح لكي يُجري العمليةَ لها؛ ومن هنا تولَّد الإصرار عند أديسون لكي يُضيء الليلَ بضوءٍ مبهِر، فانكبَّ على تجاربه ومحاولاته العديدة من أجل تَنفيذ فِكرته، حتى إنَّه خاض أكثر من 900 تجربة في إطار سَعيه من أجل نَجاح اختراعه. وقيل: إنَّ أديسون قَبل اختراعه للمصباح لكهربائي حاول أكثر من 1000 محاولة لهذا الاختراع العظيم، ولم يسمِّها محاولات فاشِلَة، بل سماها تَجارب لم تَنجح، ولنا هنا أن نتعلَّم من هذا المخترِع الصَّبرَ والثِّقة بالنَّفس والتفاؤل، ويقول أيضًا: تعلَّمتُ 1000 طريقة خطأ لصُنع المصباح.

ولذا يجب على كلِّ إنسان أن يَسعى في رَفع همَّتِه وتحقيق أهدافه والاستفادةِ من تجارب أصحاب الهمَم العالية؛ كي يَختصر لنفسه الطريق، وعلى رأس القدوات في هذا الطَّريق النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والصالحون.

وهناك الكثير من الطرائق والأساليب التي يمكن للفرد من خلالها أن يزيد همته ويعلو بها، ومنها الإكثار من التفكير بطموحِ أن يكون عالمًا؛ فتمني المرء في شبابه أن يكون عالما يرضي اللهَ علمُه وعملُه ، قد يفوق بلذته ما يحصله في شيخوخته ، وقد ورد في كتاب (صيد الخاطر) أن ابن الجوزي قال: “فأما من أنفق عصر الشباب في العلم، فإنه في زمن الشيخوخة يحمدُ جني ما غرسَ، ويلتذُّ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئا بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم، هذا مع وجود لذاته في الطلب الذي كان تأملَّ به إدراك المطلوب”.

وليس بعيدا عن هذه الفكرة الرياضيُّ الذي يتسلق قمة جبلٍ، إنه يتعبُ للوصول، ولكن اللحظة التي يديرُ فيها وجهه إلى السفحِ بعد نجاحه كفيلةٌ أن تنسيه تعبه في الطريق، بعد أن حصلت له لذةٌ أُولى وهو يشرع في عمليته عندما تخيل النجاحَ في ذهنه.

وليس بعيدا عنها شعور المتفوق لحظة صدور النتيجة الذي ينسيه تعب الساعات التي زاد بها عن زملائه، بعد أن نال لذة التفوق في خياله في أثناء العام مرةً بعد مرةٍ.

فلتحقيق علو الهمة يجب المحافظة على الطموح الكبير المستمر بالوصول إلى الأحسن وعدم الرضا عن النفس مهما فعلت، والاقتناع بأن من يتفوق من الزملاء ليسوا أفضل منا، وباستطاعتنا اللحاق بهم، بل باستطاعتنا اللحاق بالعلماء الذين نعدهم قمما في العلم، فعلينا أن نترك النظر إليهم من أسفل السفح، وأن نتخذ منهم قدوةً نسير في طريقهم ، ساروا فيه حتى بلغوا ما بلغوا، وكفى به إهدارا للنعمة أن يُقنع الإنسان نفسه بعجزه وضعفه، وقد قال شاعر الهمة أبو الطيب:

ولم أرَ في عيوب الناسِ عيبًا                    كنقصِ القادرينَ على تمامِ

فليس من كلمة أضرَّ على العلم من قولهم: “ما ترك الأولُ للآخرِ شيئًا، لأنها تحمل على التقاعس عن طلب العلم، وتقطع الآمال في الوصول للهدف المنشود، وما أشد حاجتنا أن

نستبدل بها كلمة علي رضي الله عنه: “قيمةُ كلِّ امرئٍ فيما يُحسِنُ!”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها