مرسي الزناتي انتصر يا رجالة!

الخلل الحقيقيّ يكمن في إصرار “مبروكة الشارني”، وبعد أكثر من عامٍ على تولّيها المنصب، التأكيدَ على أنّ علاقتها بالشباب والرّياضة كعلاقة يوسف الشّاهد بالحرب على الفساد.

لندخل مباشرة في صلب الموضوع! سألت “عفّت الشّربيني” التّلميذ “مرسي” في إحدى مشاهد مسرحيّة “مدرسة المشاغبين” عن تعريف المنطق، فجادت قريحته بتلك الإجابة الشهيرة الّتي أضحكت الملايين ومازالت، وقال “المنطق، لما واحد يضرب واحد على دماغه، يقع ما يحطش منطق”.

ولو أنّ سعيد صالح، متقمّص شخصيّة التلميذ “مرسي” في تلك المسرحيّة، انتظر بضع سنواتٍ أُخر، لما اعتبرت مدرّسته إجابته خاطئة ولما ضحك الملايين سخرية وتهكّما.

فالزّمن قد أثبت أنّ “مرسي الزّناتي” كان كما قال زميله في نفس الفصل، “بهجت الأباصيري”، “بيذاكر من وراهم”، وأنّ له نظرة استشرافية فهِمَ من خلالها بأنّ المنطق سيفقد معناه في جميع أقطار العالم العربيّ.

فمثلا، في بلادٍ يحبّذ أحد وزرائها، رياض المؤخّر، التأكيد لأصدقائه بأنّها تقع جنوبيّ إيطاليا بدل القول بأنّها تقع إلى جانب ليبيا والجزائر، كما صرّح سابقا، يسير المنطق رأسا على عقب، فيتحوّل لفظ “أدوارِ إغراءٍ” إلى “أدوارٍ جريئة”، ويتحوّل رفض تأديتها إلى جريمة تتمثّل في إصدار أحكامٍ قيميّة ضدّ الممثّلاتِ اللاّتي اخترن أن يسرنَ على خُطى “نادية الجندي”. فهل لهذا علاقة بالمنطق؟ هل من المنطقِ أن تقف الممثّلة التّونسيّة جوليا الشوّاشي في برنامج “كلام النّاس”، أمام المحامية “مايا القصوري” وقفةَ برئ ينتظر تنفيذ حكم إعدامه فقط لأنّها ترفض أن تتحوّل إلى سلعة في سوق أفلام “السّبكي” المصريّة؟!

أدلّة عديدة أخرى، تؤكّد صحّة تعريف مرسي الزّناتي للمنطق، في تونس على الأقلّ، لعلّ أخطرها، حضورُ نوّابٍ من البرلمان جلسة استماع لشهادة أمنيّ معزول وصاحبِ سوابق بخصوص قضيّة في حجم “تسفير الشّباب إلى بؤر التّوتّر”.. وأكثرها بؤسا، تربّع مجدولين الشارني على عرش وزارة الشّباب والرّياضة.

سيذهب ببعضكم الظّنّ إلى أنّ غياب المنطق يكمن في تعيين الشّابة الجميلة العزباء، كما عرّفتها مجلّة “سيّدتي”، على رأس وزارةٍ لا علاقة لها بها.

غير صحيح عزيزي القارئ! وإن كنت ممّن من يعتبرون أنّ في ذلك خللاً فاسمح لي أن أنصحك بزيارة طبيبٍ نفسانيّ، في أقرب وقت ممكن، يساعدك على التّأقلم مع الوضع، فمن الجنون أن ترى في ذلك أمرا غير منطقيّ في وطنٍ ينوب فيه الممثّل “علي بنّور” الشّعب!

ثمّ إنّ “اللّوم بعد القضاء بدعة” كما استنتج السّابقون، وماجدولين الشّارني وزيرة، قُضيَ الأمر إذا.

الخلل الحقيقيّ يكمن في إصرار “مبروكة الشارني” كما يحلو لعدنان منصر تسميتها، وبعد أكثر من عامٍ على تولّيها المنصب، التأكيدَ على أنّ علاقتها بالشباب والرّياضة كعلاقة يوسف الشّاهد بالحرب على الفساد.

فمؤخّرا، عمِدت ماجدولين الشّارني إلى إقصاء الشّاب حسام البرهومي، بطل العالم في رياضة “يوزيكان بيدو”، من حفل تكريم عدد من الرياضيين المتألقين قاريا ودوليا من طرف رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، بسبب “لحيته” و”التزامه دينيّا” بحسب شقيقه، البطل العالمي، عصام البرهومي، الّذي أشار إلى أنّه باتّصاله برئيس جامعة رياضة “يوزيكان يدو” للاستفسار عن الحادثة، أكّد له هذا الأخير بأنّها أوامر فوقيّة وتعليمات مسقطة.

بدوره، كشف مكتب الاتصال بمجلس نواب الشعب أنّه تمّ تحديد قائمة الرياضيين من طرف وزارة الشباب والرياضة ممّا يعني أنّ الوزيرة هي من اتخذ هذا القرار وأصدر التعليمات بإقصاء البرهومي من الحضور.

سبقت هذه الحادثة، أزمة أخرى كادت أن تندلع بعد أن تجرّأت  أصيلة ولاية الكاف خلال فعاليّات كأس العالم لكرة القدم المصغّرة والتي احتضنتها مدينة نابل التّونسيّة، على نعتِ حكم لبنانيّ وفقا لإذاعة “شمس إف إم” بالإرهابيّ والدّاعشيّ، فقط لأنّه رفض مصافحتها، لتغادر بعد ذلك الملعب أمام دهشة الحاضرين وهنا، أستحضر صورة لرئيس وزراء كندا، “جاستن ترودو”، يمدّ يده نحو إحدى المحجّبات لمصافحتها، فلمّا تمنّعت، لم يصفها لا بالإرهابيّة ولا بالدّاعشيّة.

وعلى ما يبدو فإنّ ماجدولين الشارني، إن هي إلاّ نسخة من أولئك الّذين لم يستسيغوا بعد إحدى نعم الثورة علينا، ألا وهي الاختلاف، فتراهم يلصقون تهما ناصريّة، نسبة إلى جمال عبد النّاصر، بكلّ من ليس منهم!

ففي حادثة أخرى أثارت ردود أفعالٍ غاضبة على نطاق واسع، سبق لأخت الشّهيد سقراط الشّارني، على إثر مباراةٍ جمعت بين النادي الإفريقي والترجي الرياضي التّونسي في شهر مايو/أيار الماضي، شهِدت أحداث عنف بين جمهور الأحمر والأبيض وعدد من قوات الأمن الّتي كانت حاضرة بملعب رادس لتأمين الحدث، أن سارعت في الظّهور بمستشفى الحروق ببن عروس.

للاطمئنان على الحالة الصحية لعدد من رجال الشرطة المصابين، مشبّهة من خلال برنامج  الأحد الرياضي، الأحبّاء بالإرهابيّين.

هذا بالإضافة إلى فضيحة مازالت تنتظر التأكيد أو النّفي، حيث أعلنت وسائل الإعلام المحلّية في شهر أبريل/نيسان أنّ مدينة “مساكن” ستحتضن بطولة العالم لرياضة الملاكمة، “بطولة عالمٍ” فاز بها الملاكم التّونسيّ “معزّ فحيمة” وقال بشأنها اللاّعب الدّوليّ السّابق زبيّر بيّة دفاعا عن السّيدة الوزيرة بأنّ الأهالي قد تكفّلوا بتأمين مصاريفها.

تصريح زبيّر بيّة جاء بعد اتهامات من المحامي سمير بن عمر، القياديّ بحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة، تفيد بفبركة ماجدولين الشارني لبطولة عالم وهميّة، فقط لتنسب لنفسها نجاحات  زيّفة، مرجعا ذلك إلى عدم حضور أيّ وسيلة إعلاميّة أجنبيّة للوقوف على حدث يُعتبر دوليّا وهامّا!

كما أنّ وسائل الإعلام المحلّية، بحسب نفس المصدر، قد أعلنت آنذاك بأنّ المنظمة العالميّة للملاكمة المحترفة هي من أشرفت على تنظيم هذه التّظاهرة، مبيّنا أنّه وبالرّجوع إلى الضّالعين في عالم رياضة الملاكمة، ثبت أنّ المنظمة لا تعدو أن تكون واجهة للتحيّل تقوم بتنظيم سهرات ملاكمة توزّع فيها الأحزمة بمقابل في مبارزة أبطالها لاعبون يحتلون أسوء المراكز في قائمة الملاكمين، فضلا عن ترتيب “معزّ فحيمة” والذي لا يسمح له أصلا بالمراهنة على بطولة العالم.

في النّهاية، الرياضة أخلاقٌ أو لا تكون، وإن صحّت ادعاءات القياديّ بحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة، فإنّه لا علاقة لماجدولين الشّارني بالأخلاق اللاّزمة لقيادة وزارة الرياضة.

وأمّا علاقتها بشباب تونس، فأشبه بعلاقة عبد الفتّاح السّيسي قائد الانقلاب العسكريّ في مصر بشباب هبة النّيل، ولو أنّ الفرصة أُتيحت لها، لزجّت، ربّما، بالآلاف في السّجن بنفس التّهمة الّتي يقبع بها الإخوان المسلمون في زنازين “العقرب” و”أبو زعبل”.

وبهذا، ومع تواصل قيادة ماجدولين الشّارني لوزارة شؤون الشّباب والرّياضة، بنفس هذا الأسلوب، يصبح تعريف “مرسي الزّناتي” للمنطق، في تونس على الأقلّ معقولا، ويصبح المنطق، هو “لما واحد يضرب واحد، يوقع ما ميديش منطق”.. إذا، دعوني أصرخ فيكم كما صرخ التّلميذ في معلّمته “هو دا المنطق ولا موش هو يا متعلمين يا بتوع المدارس؟!”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها