ارتباط المغاربة بالقدس والطريق نحو التحرير

إن فلسطين لطالما كانت منذُ قرون قضية متجددة في قلوب المغاربة، يجمعهم بها ارتباط شديد إيماني وتاريخي جعلها حية في وجدانهم بتجدد معاني الحب والتعلق الروحي والجهادي بالقدس، مما يفسر اليوم حجم التقارب بين المغاربة والفلسطينيين، ومدى التضامن الشعبي الكبير الذي تشهده أرض المغرب مع القضية رغم التطبيع الرسمي المتزايد مع الاحتلال.

فهل يمكننا أيها المتضامن المغربي، أن نرقى بالقدس من مجرد قضية تضامن إلى قضية أسمى؟

وكيف نكون جزءاً لا يتجزأ من مسيرة التحرير القادم لأرض فلسطين؟  تضامننا مع القدس وفلسطين، ليس لأجل التضامن الذي يُعتبَر واجباً إنسانياً وكفى !!

إنما نتضامن، وخاصة نحن المغاربة، انطلاقاً من ارتباطنا العقائدي أولاً بـ “بيت المقدس” ومسجده الأقصى الذي يُعتبرُ، كما جاء في القرآن والسيرة، أولى القِبلَتين ومسرى الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ومنطقة عروجه، وهو منزل مبارَك، تُغفر فيه الذنوب وتُضاعَف فيه الحَسنات، كما أن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، ثم ارتباطنا التاريخي بـ “أرض الأجداد” الذين ساهموا إلى جانب القائد الناصر، صلاح الدين الأيوبي، في تحريرها من أيدي الصليبيين وحماية مقدساتها الإسلامية والمسيحية لتحتضن فيما بعد أوقافا كثيرة، أبرزها “حارة المغاربة” التي يشهد التاريخ بملكيتها الخالصة لأهل المغرب؛ إذ تُعَدُّ وسام شرف لهم شاهداً على ما حققوه قبل قرون في سبيل الدفاع عن تلك المدينة المباركة، وهي التي احتضنت بدورها منذ ذلك الوقت إلى حين اجتياح الصهاينة لها وهدمِها، جامع البراق وجامع المغاربة ومقام الشيخ والمدرسة الأفضلية والزاوية الفخرية إضافة إلى مائة وثمان وثلاثين بناية أثرية، وغيرها من معالم تاريخية تشهد على تواجدنا كساكنة مغربية بالقدس وتُجسِّد ثمانية قرون مِن تعلقنا بتلك الديار، فتضامنا  مع القدس وفلسطين، ليس لأجل التضامن الذي يُعتبَر واجباً إنسانياً وكفى !!

إذن فالتضامن مع القدس اليوم، بالنسبة إلينا تضامنٌ مرتبطٌ بامتداد تاريخي عبر الأزمنة والأحداث، ومتجذّرٍ عبر ما توارثه الأبناء عن الأجداد، و وجدانيٍّ عبر العشق المثالي لأرض مباركة طاهرة حباها الله بالجلال والجمال، كما هو تضامنٌ مُقتَرنٌ بما يوصي به ديننا الحنيف من تكافلٍ وتهممٍ بأمر المسلمين ونصرةٍ للمستضعفين، ثم يأتي التضامن الذي تُحتّمه الإنسانية عبر التعاطف والانحياز الفطري إلى الحق الذي بثَّهُ الله -عز وجل- في قلوب عباده والفضلاء من البشر.

وعليه فتضامننا لن يكتمل أبداً، إلاَّ إذا كانت لنا مساهمةٌ فعَّالة في التحرير القادم إن شاء الله، ومسيرة تحرير القدس لا تنتهي بانتهاء مسيرة الرباط (العاصمة) في زمان ومكان، أو بِردّة فعلٍ حماسية نتجت عن أحاسيس تحركت عندما أصدر أحدهم قراراً.

المسيرة -أيها المتضامن- أطول وأوسع مجالاً مِمَّا نتخيل. واسعةٌ هي ميادين مسيرة التحرير؛ حيث يُمكننا الالتحاق بركبها عبر أي ميدان أتيح لنا، سواء نزولا إلى الشوارع والساحات استجابةً لنداء النصرة، قصد تقديم الدعم المعنوي الذي يضخ جرعات الأمل في نفوس إخواننا المستضعفين والمرابطين على تلك الأرض، وأيضا تبليغ رسائلنا إلى الأنظمة العربية المُطبعة وقادة الاستكبار العالمي بأننا لن نتنازل عن حبة تراب من فلسطين، وعاصمتها القدس، ما دام حُبُّها ينبضُ في وجداننا، فالمشاركة في المسيرات والمظاهرات التي تروم مناصرة القضية الفلسطينية، لها أدوار لا يستهان بها أبداً في مسيرة التحرير؛ حيث كلما اشتدت حدة المظاهرات، كلما انحنت الأنظمة أمام العاصفة الجماهيرية واضطرت إلى تخفيض خطواتها التطبيعية، والعكس صحيح عندما تهدأ الشعوب وتقِلُّ نسبة التحرك لمؤازرة القضية.

أو توظيفاً لتخصصاتنا وميولنا، وكما أشرتُ في تدوينة سابقة “القضية في حاجة إلى المُدوِّن والفنّان حاجَتها إلى السياسي والحقوقي”، مما يتطلب منا التجند جميعاً قصد التحرك نصرة للقدس من جانب، ومن جانبٍ آخر مواجهةً لتمدد تلك الجرثومة الصهيونية التي وجدت في بلادنا (المغرب الأقصى) أرضا خصبة للاستثمار وفضاء جاهزاً لعرض ثقافتها الرديئة تحت رعاية رسمية جعلت من “التعايش” شعاراً لها.

هذا ومعلوم أن أبسط ميدانٍ يمكن دعم القضية من خلاله، هو الإعلام الجديد ومواقع التواصل، بسيط في استعماله لكنه قوي في تأثيره وصناعة رأي بواسطته، أسقط أنظمةً واستعانت به أخرى، فلِما لا نُوَظِّفه لصالحنا ليس داخل دائرة ردود الأفعال التي سرعان ما تخفت ولكن نكون نحن من يصنع الفعل تعريفاً بالقضية وسيطرة على الحرب النفسية التي شنها الاحتلال داخل هذا الميدان، خاصة وأن قضيةً بهذا الحجم يلزمها إسناد من ميادين متعددة وحيوية حتى نستطيع صَدّ الغطرسة الإعلامية الصهيونية عن مجتمعنا وفي نفس الوقت نشر قيمة الوعي بالقضية الفلسطينية تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً.

وهذا يُتاح لنا -أيها المتضامنُ- من خلال الحرص كلِّ الحرص على الانخراط الدائم في الحملات الإعلامية المرتبطة بالقضية الفلسطينية ودعمها بما نستطيع.

ثم طويلة هي مسيرة تحرير القدس، لأنها قضية أمة وتحريرها مرتهنٌ بتحرير الشعوب بدون استثناء من قيود الاستبداد والفساد، ولهذا فإن أي حراك تغييري ظهر بأي منطقة عربية هو جزءٌ مهم من المسيرة التحررية لا يلزمنا التقليل من شأنه بأي شكل من الأشكال ما دام يرفعُ شعارات نبيلة، ولهذا هي طويلة لأن الطريق إلى الزحف والتحرير تتطلب إنهاء جبر بإسقاط أنظمة، إقامة عدلٍ ببناء أخرى يصاحبهما تربية وتنظيم لشعوب الأمة لتكون القدس هي البوصلة.

وهكذا نكون -أيها المتضامن- قد ساهمنا في التحرير القادم لبيت المقدس، ونكون قد سِرنا على خطى أجدادنا المغاربة الذين كان حب الأقصى يسري في عروقهم بحبهم لرسول الله صلّى اللّٰه عليه وسلّم؛ حيث أوصى وحثَّ في أكثر من حديث على زيارة تلك الأرض والعناية بمسجدها، والذي كان لهم بمثابة قبلة جهادية يشدون إليها الرحال تبركاً أولاً ولإعلاء كلمة “لا إله إلا الله” .

يلزمنا فقط طول نفس وإرادة صلبة يمتزجان بِحُبِّنا للقضية، مع اليقين في موعود الله والثِّقة بأننا قادرون على التأثير . 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها