الدولة البوليسية في مصر

يعيش المرء في ظل دولته محكوما بقانون ينظم علاقته بالمجتمع والدولة ممثلة في الحاكم والحكومة ووظيفة الحكومة الأولى الحفاظ على سلامة المجتمع وأفراده فتأخذ الحق للمظلوم من الظالم والمحكوم من الحاكم.

ولا تصير الدولة خصما لأحد أفرادها إلا حين يعتدي على الملكية العامة أو يهدد سلمها وأمن مجتمعها، وقد تلجأ بعض الحكومات لما يعرف بقانون الطواريء في حالة حدوث شيء خطير لكنه يبقى غير دستوري ومؤقت، وإذا وُجِدت دولة طال فيها وقت قانون الطواري فقد خرجت من مسمى الدولة إلى ما يشبه الغابة.

هذا الكلام ينطبق تماما على حالة مصر فقد أضحت في ظل العهد الثاني لحكم العسكر أشبه بالغابة، وهي حالة ليست متفردة فيها وإنما هذا حال كل الدول البوليسية التي تحكم بالنظرية الأمنية -وهي التي يتولى فيها أحد العسكريين الحكم- هذه النظرية التي تناقض فيها الدولة نفسها، ففي الوقت الذي ينبغي عليها فيه أن تحمي أمن المواطنين نجدها تفتعل كل ما من شأنه أن يهدد الأمن لتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد.

الأول: محاولة خلق وإيجاد مبررا لاستمرار حالة الطواريء هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إيهام رعاياها وأتباعها أنهم في خطر ليقوموا بدور الظهير الشعبي الذي يعطي أي حكومة شرعيتها ولو كانت شرعية زائفة.

والثاني: لكي تعطي لنفسها المبرر للقضاء على أعدائها وأعداؤها في الحقيقة هم كل محب للحرية باحث عن حقه في بلده.

ولأننا في حالة الطواريء فليس هناك مانع من إلقاء القبض على أي مواطن أو تصفيته من دون محاكمة أو إقامة محكمة صورية له من باب إظهار دولة القانون الزائفة.

وكأني بالتاريخ يعيد نفسه في المكان نفسه مصر وبالطريقة ذاتها، فعبد الناصر الذي اعترف بأنه قام بعمليات تفجير اتهم فيها الإخوان وغيرهم لإيجاد مبرر للقضاء علي كل مخالف له،  وكذلك تخويف الناس من الديمقراطية لا فرق بينه وبين السيسي سوى تغيير الزمان والوجوه.

فهل سيأتي يوم يعي فيه المصريون التاريخ، أم أنهم لا يتعلمون من الماضي لأن الحكومات المتعاقبة تعمدت نشر الجهل بينهم؟ عموما الليالي حبالى بالمفاجآت، ولعل الولادة أن تكون قريبة، وكل ليل بعده فجر.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها