في الزنزانة 1

بعد تحقيق طويل ومرهق تجاوز الثماني ساعات في يوم من أيام رمضان الطويلة والحارة؛ تقرر تمديد اعتقالي لليوم التالي، دفعوني إلى زنزانة في سجن المسكوبية.

لعل أول ما دعوت به “اللهم سخر لي برهم وفاجرهم” وكأن الدعوة شقت عنان السماء، ولقد رأيت استجابتها بأم عيني، صليت المغرب ولم أدر أأفطرت أم لا؛ بل استغرقت من شدة الإرهاق والضغط، استغرقت في نوم عميق .

كم من منحة كانت بغلاف محنة؛ وكم من إشراقة تجلت في وسط العتمة

وفي اليوم التالي تقرر تمديد اعتقالي لخمسة أيام أخرى، أدركت يومها أنه ليس كأي اعتقال سابق؛ بل قد يطول نوعا ما، لذا حاولت استغلال أيامي وليالي في الذكر والدعاء والقرآن.

ختمت في أول يومين، ومن عادتي أن اقطع المكان جيئة وذهابا وأنا أقرأ، وكانت القراءة بصوت مرتفع نوعا ما حتى لا أسهو، ولأستمتع بالقراءة، ولأظل حاضرة الذهن مع ما أقرأه؛ ويبدو أن الكاميرا كانت ترصدني، فكان الحراس يأتون مستفسرين عما أفعله، وكان بعضهم يجلس قريبا ليستمع، وبعضهم يأتيني ليسألني ماذا تقرئين، وآخر يقول هل تحفظينه كله !!

ماذا تدرسين ؟

أدرس ماجستير تفسير .

حافظة للقرآن وتدرسين التفسير، أمثلك يؤتى بها إلى هنا !!

لو لم يكن لتجربة السجن في المسكوبية من فضل، إلا أن تدوي آيات القرآن في جنبات السجن، لكفاني ذلك الفضل

كنت أشعر بهم يتسمعون إلى القرآن، فتذكرت يوم أن كان كفار قريش يجتمعون حول بيوت المسلمين ليسمعوا تلك الآيات التي تتصدع منها الجبال .

بعد يومين مرضت جدا، أصابتني فيها نوبة حادة، جعلتني طريحة الفراش، فلم أتمكن لشدة الألم من القراءة.

ولعل الطريف في الأمر، أن الحراس في تلك الليلة جاؤوا يتفقدونني، هل أنت بخير !!

لماذا أنت نائمة، لم لا تقرئين !!

خديجة أأنت بخير؟!

لو لم يكن لتجربة السجن في المسكوبية من فضل، إلا أن تدوي آيات القرآن في جنبات السجن، لكفاني ذلك الفضل، فلعلها تطرق قلبا جاحدا أو تلين قلبا غافلا ولو بعد حين

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها