محمد الأخرسي يكتب… سقطت الأقنعة

فقط في بلادي يصفون أبناء سيناء وكأنهم “إنسان الغاب”، فقط في بلادي ينسون، أو يتناسون، أنّه بفضل الله ثم بفضل أهل سيناء عاد كل شبر من تلك الأرض لأحضان مصر. يتبع

محمد الأخرسي – ناشط سيناوي

فقط في بلادي يصفون أبناء سيناء وكأنهم “إنسان الغاب”، فقط في بلادي ينسون، أو يتناسون، أنّ بفضل الله ثم بفضل أهل سيناء عاد كل شبر من تلك الأرض لأحضان مصر بغض النظر عن أي اتفاقية عرقلت مسيرة تنمية سيناء ووضعتها على قائمة الانتظار طوال ستين عامًا أو ما يزيد، فقط في بلادي يلخصون سيناء في مشهد لجبال شاهقة ومساحات صحراوية قاحلة فارغة ورجل يرعى الأغنام والإبل.

نعم كل ذلك موروث من أنظمة فاسدة تعمدت إيذاء سيناء وأهلها وتهميشهما، ومائة عام أو ما يزيد غيبوها فيها عن الحياة، وإعلام منمط يتقن بث الدعاية السوداء حتى التصديق، وسياسيون يتفننون في الترهيب والترغيب الديماجوجي “الدماغي” في أروع صوره التي أرعبت أفلاطون يوماً في ديموقراطية آثينا القديمة.

وقبل أن أتحدث عن الظروف والأحداث التي أوصلت سيناء لما آلت إليه الآن أود الإشارة إلى دور هؤلاء الأبطال المجاهدين من أبناء سيناء مستعرضًا شاهدا على ذلك وهو مؤتمر الحسنة في 26 أكتوبر 1968م والذي رفض المجتمعون فيه من أبناء سيناء فكرة تدويلها وكان قرارهم بمثابة الصفعة على وجه المسماة إسرائيل.

سيناء اليوم تُعاني أشد المُعاناة فلا أعلم ماذا تلد سيناء الآن هل كما عهدناها ستلد ولداً يكبر ليكون هو نفسه، يكبر ويكمل درب أجداده، أم ستلد جريمة؟! جريمة تتجسد في عقول أطفال رأوا أنفسهم ضحية لذنب لم تقترفه أياديهم، وفي طموحات طلاب أرادوا أن يكملوا مسيرة تعليمهم ليقودوا هذا البلد للمعالي لكن ما يحدث لهم يحول بينهم وبين ذلك المنال الذي أصبح أقرب للمستحيل.

لك الحق في أن لا تسمع عن بدو سيناء أو لا تعرف عنهم إلا أنهم مجرد أناس يعيشون بالصحراء ولك الحق في أن تصدق قصصا وحكايات “خرافية” ليس لها أساس من الصحة، في ظل التهميش والإقصاء المقصود من قبل الحكومات المسيطرة وإعلامها الذى يفرض التعتيم والتجاهل للبدو في سيناء بل ومحاولة محو وطمس هويتهم العربية البدوية بكل الوسائل فمثلا يمنع الأطفال من الذهاب إلى المدارس بزيهم البدوي ويفرض بدلاً منه الزي الافرنجى بشكل إجباري وكذلك بالنسبة للموظفين من أبناء البدو، وكذلك نُمنع من ارتداء زينا العربي البدوي في الصور لبطاقات الهوية وجوازات السفر بحجة تطبيق القانون .

بدو سيناء ينحدرون من قبائل عربية أصيلة من اليمن أو شبه الجزيرة بل مِنّا من القبائل ما لها فروع أو جذور هناك حتى الآن، و هذه القبائل كانت على حِل وترحال وعلى اتصال دائم ببعضها وكانوا يسافرون بالإبل أو الخيل وغيرها أو حتى يغزون بعضهم البعض ويأخذون الحلال “الأغنام والماشية” أيام حكم الخلافة العثمانية إلى أن جاء الاحتلال الإنجليزي وقسم البلاد العربية إلى دويلات ووضع الحدود وساعد في قيام دولة اليهود ( إسرائيل ) التي رسخت هذه التقسيمات وأغلقت الحدود نهائيًا في وجه البدو وهجراتهم وتنقلاتهم عبر البوادي العربية وذلك باحتلال صحراء النقب ورأس خليج العقبة والذى كان يمثل المعبر البرى لقوافل البدو.

 أقل من سبعين عاما هي عمر التغيرات التي طرأت على المنطقة العربية, هي قليلة نوعًا في عمر الشعوب ولكن تأثيرها كان فعلا كبيرا, فقد صاحب تلك التغيرات الاكتشافات البترولية في شبه الجزيرة والطفرة الاقتصادية الكبيرة وتحول بالتالي نمط الحياة هناك وانتقل الكثير من القبائل إلى طور التحضر والمدنية , وأصبحت القبيلة بمفهومها القديم شبه منقرضة  وإن ظلت مشاعلها في بعض الصدور.

لقد ظلت سيناء وبواديها ظلت مهمشة ومسرحا للحروب الكبرى بين العرب وإسرائيل ثم تعرضت للاحتلال الإسرائيلي ثم العودة للسيادة المصرية المشروطة ( كامب ديفيد )  عادت سيناء إدارياً لجمهورية مصر لكن السلطويين هجموا بشركائهم ورجال أعمالهم المشبوهين والمتعاونين مع أصحاب السلطة والنفوذ على أراضي بدو سيناء المطلة على شواطيء سيناء الجميلة بشرم الشيخ ونويبع وطابا ورأس محمد والعريش وعزلوا شواطيء رفح والشيخ زويد بأوامر سيادية عليا، قاموا بذلك بعد أن سنت الحكومات الفاسدة القوانين التي جعلت فيها كل أراضي سيناء ملكية عامة للدولة وأعتبرت فيها أن البدو أغراب وأعراب رحّل وأنهم معتدين على أراضي الدولة المصرية بعد أن جاءوا وإبلهم وأغنامهم من صحاري الجزيرة العربية وبلاد الشام، ومنعت منعًا باتًا تمليك البدو وأهل سيناء لأراضيهم التي نزعتها منهم وباعتها للمستثمرين ولم تعترف بالحيازات التي يقدمها البدو على الرغم من أن بعضها يعود إلى المملكة المصرية الخديوية وإلى العثمانيين (الأتراك).

لكن لا بأس فكل هذه العوامل زادت من ترابط وتماسك البدو بعضهم ببعض، وفضلوا عدم البوح بجراحهم النازف إلا لمن يرون فيه فعلاً القدرة على تضميد جراحهم وتطهيرها، هذا الأحمر القاني الذي ما زال يسيل على رمال سيناء سيظل شاهداً على بطولة أبنائها، فسيناء وأهلها لا يريدون اليوم إلا فتح هذا الباب الموصد مؤكدين أنهم لم ولن يضعفوا في نهاية المطاف أقسموا ألا تسقط قلوبهم في شرك الهدب الأسود كما أقسموا ألا يدخلوا لغلاف يحتويهم كالسلحفاة، أقسموا أن يظلوا أبطالاً صامدين على مبادئهم,  لكن هناك سؤال أترك إجابته للسادة السياسيين والإعلاميين “إلى متى ستظل معاملة سيناء وأهلها أحادية لا تنسلخ عن أفكار زرعت منذ 60 عاما أو ما يزيد ؟ وإلى متى ستظل سيناء على قائمة إنتظار مِنّة الحكومة ؟!

 

محمد الأخرسي

باحث ومختص بالشأن السيناوي

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها