وليد الصايغ يكتب: الأجداد وأحفاد الطلاق

الأغنية الشهيرة للسيدة أم كلثوم تنساب من المذياع وتطرب لها الجدة فى ساعة صفا بعد يوم شاق، لا يقطع صوت أم كلثوم سوى صوت الحفيد طالبا من الجدة تجهيز الغداء. يتبع

 

جددت حبك ليه؟ ليه ؟ بعد الفؤاد.. الفؤاد ما ارتاح

هذه الأغنية الشهيرة للسيدة أم كلثوم تنساب من المذياع وتطرب لها الجدة فى ساعة صفا بعد يوم شاق، لا يقطع صوت أم كلثوم سوى صوت الحفيد طالبا من الجدة أن تجهز له طعام الغداء.

تقوم بأرجل متثاقلة، و خطوات متعثرة،  تتمتم بكلمات تخاطب بها ابنها جددت حملك (بكسر الحاء) ليه؟ ليه؟ بعد الفؤاد الفؤاد ما ارتاح.

يا لهفى على آباء و أمهات، بل قل أجداد وجدات يقمن مرة أخرى بدور التربية لأحفادهم،  فى سن هم أشد ما يحتاجون فيه الى الراحة والسكون وعدم الازعاج.

المشكلة قد تبدو صغيرة، ولكنها عميقة فى ذات الوقت،  نتجت عن ارتفاع فى نسبة الطلاق لصغار السن المتزوجين فى مصر حيث تقع حالة طلاق كل 6 دقائق، وبلغ عدد حالات الطلاق عام 2014 فى مصر وحدها 161 ألف، زيجات تستمر لخمس سنوات وأقل وغالبا ما ينجم  عنها أطفال لا ذنب لهم، هم أبناء الطلاق، يدفعون الفاتورة كاملة، خاصة إذا كان الأب والأم ما زالا فى سن صغيرة تسمح لهما بالزواج مرة أخرى، ولكن أين يذهب الأولاد؟

هنا يأتي الحل السحري، بذهاب الأولاد للعيش مع الجدة والجدة، وهذا الحل إما أن يأتي اقتراحاً من والد الطفل أو أمه، أو من الجد والجدة أنفسهما لأجل راحة وسعادة أولادهما،  يتطوعان بالقول، أنت ما زلت صغيرا “صغيرة” فى السن، جرب حظك مرة أخرى واترك الأولاد لي.

نادرا ما تجد زوج أم، أو زوجة أب، عاقلين متفهمين عندهم من السلامة النفسية ما يؤهلهم للقيام بدور الأب البديل أو الأم البديلة، وتغيير الفكرة المتوارثة عبر الأجيال “مرات الأب خدها يااااارب.. واللى من غير أم حاله يغم “،  أضف إلى ضيق النفوس، ضيق البيوت عن الاتساع للزوج والزوجة وأولادهما من شركاء سابقين.

هنا يأتي الحل السحري، بذهاب الأولاد للعيش مع الجدة والجدة، وهذا الحل إما أن يأتي اقتراحاً من والد الطفل أو أمه، أو من الجد والجدة أنفسهما لأجل راحة وسعادة أولادهما،  يتطوعان بالقول، أنت ما زلت صغيرا “صغيرة” فى السن، جرب حظك مرة أخرى واترك الأولاد لي.

وغالبا ما يصاب الجد والجدة بالندم بعد ذلك على نوبة الشهامة والكرم العاطفي تلك، حينما يعانون أعباء التربية من جديد، استيقاظ الولد أو البنت للمدرسة، متابعة الدروس الخصوصية، ملاحظة سلوكه ودراسته وصحته ومرضه وأكله وشربه ولباسه.. وأحبانا شعره؟ إذ كيف يقبل الجد وهو الرجل المحترم الذى كان يشغل منصباً كبيرا فى الوزارة وقضى حياته كلها محبا للنظام واحترام العادات والتقاليد،  كيف يقبل أن يترك حفيده يطيل شعره على عادة بعض الشباب؟ أو كيف تقبل جدة تجاوزت الثمانين من عمرها ألفاظ حفيدها الشاب الذى يغازل الحياة فى عمر الخامسة أو السادسة عشرة؟

اختلاف الأجيال يا سادة أمر وارد طبيعي ومقبول، من حق الجد والجدة في هذا العمر أن ينعما بالهدوء والراحة بعد أن أدوا واجبهم وربوا أولادهم، وكبروا وتزوجوا وانجبوا الأحفاد.

كيف تقبل مزاحه وهى لا تفهم لغته؟ كل منهما يعيش فى عالم مختلف ويتكلم لغة مختلفة تماماً، مع اتهامات متبادلة بالتهور واللامبالاة من جانب، والرجعية و عدم مواكبة العصر من جانب آخر.

اختلاف الأجيال يا سادة أمر وارد طبيعي ومقبول، من حق الجد والجدة في هذا العمر أن ينعما بالهدوء والراحة بعد أن أدوا واجبهم وربوا أولادهم، وكبروا وتزوجوا وانجبوا الأحفاد.

من حقهم أن يتمتعوا بالسكينة فى هذا العمر،  ولا يحملوا عبء التربية من جديد،  أصحي يا ابني علشان تروح الدرس،  ومبتذاكرش ليه؟ والولد اتأخر فى الدرس،  والولد لا يرتب غرفته، عشرات المشاكل الحياتية اليومية، من حقهما أن ينعما بالسكينة يصلون ويقرأون القران ويذكرون الله، يشاهدون التلفاز، يزورون الجيران،  ويسرحون بخيالهم فى الماضي الجميل، ويسعدون بزيارة الأبناء والأحفاد من حين إلى حين.

من حق الورود المتفتحة والشباب الجميل أيضا أن يعيشوا سنهم ويعبروا عن أنفسهم فى اللباس، فى الكلام, فى الرياضة, فى الحياة، وأيضا حقهم الطبيعي أن ينعموا بحنان الأب والأم ورعايتهما، التي لا يغنى عنه حنان الجد والجدة مهما كان.

الموضوع كبير وطويل،  واختلاف الأجيال ليس بالأمر الهين والحل من وجهة نظري فى تفاهم الزوج والزوجة لا سيما لو تشابهت ظروفهم واستعدادهم لتحمل المسئولية ورفع العبء ولو قليلا عن الجد والجدة، ومنح الأبناء ما يحتاجونه من وقت كاف للرعاية، والإشباع العاطفي المفتقد غالبا فى مثل هذه الظروف.

الأمر يحتاج حكمة ورحمة من الزوج والزوجة وهما الطرف الأقوى عمرا وشبابا وأعصابا وتحملا للتدخل فى حل المشاكل المترتبة على هذا الوضع وفض الاشتباك ما بين سخط الأولاد وضجر الأجداد بشرط أن يتم عن اتفاق ورضا وتفاهم كاملين،  ويقين أنه كلما أدخلا السعادة على هؤلاء الضعفاء (الأجداد والأحفاد) امتلأت جوانب حياتهم كلها بالسعادة.

ويبقى بالنهاية الأجداد.. أب وأم كلاكيت تانى مرة.. مجبر أخاك وبطل!

محامي ومدون مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها